محمد فخرى

المقاولون العرب بين "انحناء" عبد الناصر و"استياء" مبارك

الإثنين، 10 أغسطس 2009 01:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يمكن اعتبار أن ما حدث فى قرية البرادعة، مجرد أزمة عادية نجمت عن إصابة 351 شخصاً بالتيفود على إثر تلوث مياه الشرب بالقرية، فما حدث بعد ذلك يكشف مجموعة من الحقائق التى آن لنا أن نضع أيدينا عليها، وربما لو حدث وعالجنا مواطن الخلل التى تكشفت بعد ظهور تلك القضية، لأصبحت الحادثة كلها ثمناً هيناً فى مقابل التغيير.

فقد شهدت وسائل الإعلام تبادل الاتهامات بين المقاولون العرب ومحافظ القليوبية الذى أعلن عن تغريم الشركة مبلغ مائة ألف جنيه، كما رصدت دون أن تشير إلى أى علامات تعجب إحالة مقاول الباطن دون غيره إلى النائب العام باعتباره المسئول الوحيد عما حدث، ثم تناولت استياء الرئيس مبارك وإصدار أوامره بتغيير شبكة مياه الشرب بالقرية.

ولعل أول الحقائق التى يجب أن نلتفت إليها هى تضعضع وانهيار دور المقاولون العرب، وهو الدور الذى أصبح يتناسب عكسياً مع حجم ونشاط الشركة، ولقد جاءت الأزمة الأخيرة لتطرح العديد من الأسئلة على أذهان من يعرفون هذه الشركة وتاريخها.

أول هذه الأسئلة هو: ماذا حدث للمقاولون العرب؟ وكيف تفشل الشركة التى بنت السد العالى وسد الصواريخ وحظائر الطائرات ومعديات العبور وكوبرى أكتوبر ومكتبة الإسكندرية فى أن تمد خط مواسير قرية فى القليوبية؟ وكيف تدهور حال المقاولون العرب التى انحنى لها الرئيس عبد الناصر، وهى شركة ناشئة أثناء تفقده لإنجازاتها فى السد العالى لتصبح محل استياء الرئيس مبارك أثناء مدها ماسورة مياه شرب فى قرية، فى الوقت الذى يصل فيه حجم عامليها إلى 60 ألف عامل وموظف، وهو حجم يفوق بعض جيوش المنطقة العربية.

وأنا أرى أن الإجابة ببساطة تعود إلى شخص رئيس الشركة ومؤسسها عثمان أحمد عثمان الذى انحنى له "عبد الناصر"، كما توضح الصورة الموجودة فى مذكرات الأخير، والتى نشرت بعنوان "تجربتى"، كما ترجع إلى رئيس مجلس إدارة الشركة الحالى إبراهيم محلب أمين المهنيين بالحزب الوطنى.

فمؤسس الشركة ورئيسها الأول كان همه الأول والأخير "المقاولون العرب".. فقد عاش مقاولا ومهندسا يعرف دوره جيداً، فلم يجمع بين السياسة والعمل رغم مطاردة الأولى له، وعندما أصبح وزيراً ترك منصبه بالشركة، ورغم تتلمذ عثمان ونشأته على يد زعيم ومؤسس الإخوان المسلمين حسن البنا، وإعجابه بالإخوان المسلمين، إلا أنه رغم ذلك لم ينضم لهم أو يشترك فى صفوفهم، وذلك "والأمر على المستوى الإنسانى يحسب له" لم يمنعه من مساعدة بعضهم رغم غضب السلطة ومطارداتها لهم، كما حدث مع صديقه عبد العظيم لقمة، وكان من الممكن أن يغض طرفه، خصوصا وأن بعض إصبعه كانت تحت ضرس النظام الناصرى آنذاك، إلا أنه استجاب لنداء المرؤة والواجب.

وعلى النقيض تماماً فعل رئيس مجلس الإدارة الحالى المهندس إبراهيم محلب، فقد سلم نفسه طائعاً ومختاراً ليكون ضمن ألوية الحزب الوطنى بمدينة نصر، وقد حدث هذا فى فترة شهدت سباقا محموما من رؤساء الشركات والمصالح والمؤسسات فى الانضمام إلى الحزب الوطنى، بحثاً عن المكاسب، أو على الأقل عدم تعرضهم لأية خسائر، وعلى رأسها ترك مناصبهم.

وحتى يصبح "محلب" عضواً نافعاً وصالحاً فى الحزب الوطنى كان واجبا عليه أن يساعدهم فى الانتخابات، وتحولت شركة المقاولون العرب إلى مكتب توريد أنفار لانتخابات الوطنى، وتم استدعاء آلاف العاملين بالشركة من عدة محافظات للتصويت فى دائرة مدينة نصر، واكتشف العاملون أن لديهم بطاقات انتخابية دون معرفتهم، وذلك من خلال أوراقهم الموجودة بالشركة.

وهكذا أصبح رئيس شركة المقاولون العرب أكبر مقاول أنفار انتخابات فى الحزب الوطنى، خصوصاً وأن شركته تمتلك أكثر من ستين ألف صوت انتخابى.

وفى 14/5/2005، فوجئ العاملون بالشركة، وذلك طبقا لما رصدته العديد من جمعيات مراقبة الانتخابات، ومنها "الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية" قيام المهندس إبراهيم محلب فى عصر ذلك اليوم بعمل اجتماع للعاملين، وبصحبته مرشح الحزب، وطالبهم فيه بالتصويت لمرشح الحزب، وأخبرهم أن ذلك يأتى طبقا لتعليمات صدرت من قيادات سيادية عليا، كما هددهم محلب بإلغاء الحوافز فى حال عدم الذهاب للتصويت.

ومع وصول أتوبيسات العاملين من القاهرة والمحافظات تم صرف 30 جنيهاً لكل موظف مقابل التصويت فى دائرة مدينة نصر لمرشح الحزب آنذاك مصطفى السلاب، ورصدت الجمعيات الحقوقية أتوبيسات نقل عام القاهرة بأرقام 6671، 7261، 8099 تنقل موظفى الشركة من أمام الإدارة للتصويت الجماعى فى مدينة نصر.

وربما كان هذا كافياً لانخفاض أسهم المقاولون العرب فى فن التشييد والعمارة، فاستاء منها مبارك بعد ارتفعت أيام عثمان فانحنى لها عبد الناصر.

أيام عثمان غنى معها العندليب "قلنا هنبنى وآدى احنا بنينا السد العالى"، وأيام محلب اضطرت الشركة للاستعانة بشعبولا منذ شهرين ليغنى نشازا "بلدنا لسه عمار فى المغنى والطرب.. والبنى والمعمار المقاولين العرب، لا "بتكروت" ولا"تقلب" معروفة وشركة تمام.. والريس حسنى مبارك إداهم أعلى وسام"، وللأسف لا يمر شهران إلا ويتم اتهام الشركة بـ "الكروتة" و"القلب"، حسبما قال شعبولا، بل ويستاء منهم الريس حسنى مبارك.

وبوضوح شديد نستطيع أن ندرك الفرق بين عبد الحليم وبين شعبان عبد الرحيم، كما نرى الفرق بين عثمان أحمد عثمان وبين إبراهيم محلب، بين من رشحته النكتة الشعبية ليبنى الهرم الأكبر ومن طرحه الواقع ليفشل فى مد ماسورة مياه.

أما السؤال الآخر والذى يجب الالتفات إليه فهو: ما الذى أصاب فطرتنا؟ وكيف نستقبل الآن مالا يتفق مع بديهيات التفكير حتى نعتبره أمراً مسلماً به؟، وما يستدعى ذلك هو قرار إحالة مقاول الباطن إلى النائب العام، والسؤال: كيف نتجاهل شركة المقاولون العرب وهى الشركة المنفذة للمشروع بتكليف من الجهاز التنفيذى لمياه الشرب والصرف الصحى التابع لوزارة الإسكان؟، ولو اتبعنا هذا القياس وهو مسئولية مقاول الباطن نحو أى فشل يحدث فى أى مشروع، فهذه مصيبة، وبذلك لن تلقى أى من هذه الشركات الجزاء العادل جراء إهمالها واتكالها.

إن العقد المبرم بين المصالح الحكومية وشركات المقاولات هو عقد يلقى بالمسئولية على الطرف الثانى، ولا يعرف أو يعترف بمقاول الباطن، وإذا حدث واعترف به فهو المسئول رقم اثنين، ولذلك فإن عدم محاسبة الشركة المنفذة لمشروع البرادعة والاكتفاء بمعاقبة مقاول الباطن هو أمر يعود بنا لمئات السنين، ولا يبرر ما حدث ما قيل حول الخوف على سمعة الشركة وسمعة مصر، فإن قميص السمعة هو القميص الجاهز الذى تلجأ الحكومة إليه فترفعه كلما ضاقت بها السبل.

وأخيراً من المفترض أنه لا توجد "تابوهات" عند المساءلة، فالمقاولون العرب فى النهاية مثل أى كيان يجب محاسبته ومراقبته وتصحيح مساره إذا أخطأ، ولا يمكن غض الطرف عنه لمجرد أن رئيسه عضو بارز فى الحزب الوطنى.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة