بين شد البرلمانى البريطانى السير جون شيلكوت رئيس لجنة التحقيق فى الحرب على العراق، وجذب تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى السابق، بدا رئيس الوزراء البريطانى الحالى فى موقف العجز عن توفيق المواقف أو حتى حسم الأمور بما لدية من سلطة سيادية بدءا من تحديد المواضيع التى يتناولها التحقيق انتهاء بالشكل الذى يجب أن يتخذه التحقيق متمثلا فى علانية الجلسات من عدمه.
لم يرد رئيس وزراء بريطانيا السابق البدء فى تحقيق كهذا بعد النتائج المخزية التى تمخضت عن حرب العراق لا سيما بعدما خذله الأمريكان بالاعتراف الضمنى بالفشل فى المستنقع العراقى على لسان وأفعال أوباما حينما قرر التركيز على أفغانستان وترك العراق جملة وتفصيلا، ولكن ضغط أحزاب المعارضة كان أقوى من تيار بلير والممتد حتى الآن فى لندن بعد تركة زمام الأمور.. فهل هو تحقيق بالمعنى القانونى يبحث عن حق الضحية؟ أم أنه مجرد تقييم حسابات ومراجعة فاتورة تكاليف لتلك الحرب التى جلبت على بريطانيا الكثير وأقلة تفجيرات فى قلب العاصمة لندن وتشويه لسمعة بريطانيا فى العالمين العربى والإسلامى؟
لتحديد الإجابة على السؤال المطروح، فلابد من الإشارة إلى كيفية تعامل السلطات البريطانية مع قضية المترجمين العراقيين الذين خدموا مع القوات البريطانية فى العراق حاملين أكفانهم ومخاطر بحياتهم فى هذا العمل الذى يعرضهم للمسلحين العراقيين والأجانب المتواجدين فى العراق منذ بدء الغزو الأمريكى البريطانى عام 2003 إذ تزامن مع فتح التحقيق البريطانى شكوى مقدمة من عشرين من المترجمين العراقيين بحق الجيش البريطانى والذى غادرهم غير عابئ بمصيرهم فريسة للمسلحين هناك ولم يكن لهذه الشكوى أى صدى يذكر لدى الأوساط السياسية سواء البرلمانية منها أو الوزارية وإن كانت الأوساط القضائية قد تعاملت معها ولكن على استحياء شديد.
تجميع الصورة فى الداخل البريطانى يبرز وفى ضوء ما تقدم من معطيات، شكل وجوهر بل ومستقبل التحقيق الذى بدأ فى 30/07/2009 فإذا ما أضفنا عنصر الفصل بين سلطات الدولة الثلاثة البرلمانية والتنفيذية والقضائية والتى لا يمكن لأحد أن يزايد على قدرة تفعيل مبدأ الفصل هذا فى ديمقراطية بعراقة المملكة المتحدة، فإن هذه الصورة تظهر الأتى:
- جهة التحقيق الأصلية فى بريطانيا ومختلف دول العالم هى الجهاز القضائى وتكون إمكانية انعقاد هذا الاختصاص للبرلمان استثناء وفى حالات محددة مع بقائه اختصاصا استثنائيا، وعلية فإن قيام البرلمان وليس القضاء بالبدء فى التحقيق مؤداه أن التحقيق ليس للبحث عن الجانى وليس لإرجاع الحق للضحية ولا حتى للتعويض عن الانتهاكات التى ارتكبها الجيش البريطانى أثناء تواجده على الأراضى العراقية، ولكنه تقييم أشبة بتقييم المدفوعات والمبيعات لدى الشركات التجارية أثناء عمل الموازنة التجارية، وذلك لحساب الأرباح والخسائر وعلية فإن التنبؤ بنتائج مثل هذا تحقيق هو أمر ليس بالصعب، إذ إن التحقيق مؤكدا له أن كثيرا من الجوانب المتوصل إليها ستكون نتائج سرية، وذلك بناء على سرية السير فى بعض جوانب التحقيق ذاته، كما أن التحقيق لن يعنى بشكل من الأشكال بالانتهاكات التى قام بها الجيش البريطانى فى العراق وإن تطرق لبعض منها –من باب ذر الرماد فى العيون - ولكنه سيكون بمثابة توصيات برلمانية معتمدة على نتائج وآراء خبراء متخصصين ليكون فى المستقبل مرجعية للسياسة الخارجية البريطانية لا سيما فى التعامل مع الأزمات الدولية المشابهة فى المستقبل.
- الطريقة التى تعاملت بها بريطانيا متمثلة فى جيشها وسلطتها التنفيذية مع المترجمين العراقيين والذين هم عرضة الآن بل وفريسة سهلة للمسلحين فى العراق، وكذلك عدم التدخل القضائى يؤكد ما سبق.
وهنا فإن الباب الآن مفتوح على مصراعيه لضحايا الغزو الأمريكى البريطانى للعراق عام 2003 لاستقضاء حقوقهم التى انتهكت بمناسبة هذا التحقيق، وذلك على أصعدة مختلفة منها:
- قيام هؤلاء الضحايا برفع قضاياهم أمام المحاكم البريطانية، وإن تعذر تواجدهم فبإمكانهم ذلك عن طريق رفع قضاياهم عن طريق محامين فى بريطانيا أو أية دولة أوروبية أخرى إذ تكفل قوانين الاتحاد الأوروبى إمكانية قيام المحامى الأوروبى برفع
ومباشرة القضايا أمام الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى بأسرة.
- رفع قضاياهم للمحكم الأوروبية والتى هى ذات اختصاص اتحادى له صفة الإلزام لمحاكم دول الاتحاد الأوروبى ومن هذه المحاكم محكمة العدل الأوروبية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ويمكن أن يتم ذلك عن طريق الضحايا أنفسهم أو محامين موكلين عنهم.
- كما يمكن للجمعيات الأهلية ولمنظمات المجتمع المدنى لا سيما منها العاملة فى مجال حقوق الإنسان التدخل للمطالبة بالتعويض للمتضررين من الحرب على العراق.
* رئيس مركز السوربون للقانون الدولى والعلاقات الدولية
باريس – فرنسا
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة