مى سيد المهندس تكتب: ليلة ممطرة

الخميس، 09 يوليو 2009 10:55 ص
مى سيد المهندس تكتب:  ليلة ممطرة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بدت السماء واسعة دون حدود، وقد فرشت بهذه السحب البيضاء الكثيفة المترامية الأجزاء....... يزينها ذاك القرص البرتقالى الذى ينم عن غروب الشمس، فيبعث معه ذلك الحزن الدفين وهذا الخوف المتخاذل. إنها اليد الخفية التى تأتى لانتزاع ذلك الشجن الهائج المنطوى داخل الصدور ......... لانتزاع كل الآلام ....... والوحشة......... والأحزان........ والأمانى الضائعة لترسم بها لوحتها الحزينة تلك فى هذا الفضاء الكونى الواسع ثم تعيده أضعاف مضاعفة، فتقتل كل يوم ابتسامة.......... وتجرح قلبا.......... وتثير ذكريات، ثم وببراءة كونية تغرب.......... تغرب بعيداً، غير آبهة بما خلفته وراءها من ابتسامات قتيلة....... وقلوبا مجروحة.......... وذكريات هائجة.
وعلى الرغم من أنه الشتاء القارص إلا أن الجو شديد الحرارة يختلط به نسمة باردة تعصف بالجسد كله فتهزه هزاً عنيفاً....... شديداً........ قاسياً، إنها تلك المؤامرة الكونية التى تجتمع عليك فى ليلة واحدة لتثير كل ما بداخلك من ظلام دامس ......... وبقايا إنسان.......... ورماد المأساة.
ومع تلك النسمة الباردة، وهذه الهزة العنيفة التى أصابت جسدى، أتلمسنى....... أبحث عنى، فأجدنى ذاهلة........... صامتة......... شاردة، وكأنى مشدودة من عيونى.......... من أفكارى أو أن روحى صارت جزءاً من هذه اللوحة الكونية، فلا أجد لها صدى بداخل الجسد......... أفتش بيدى عن فرشتى، بينما مازالت عينى مشدودة إلى تلك اللوحة........ مأسورة بها أو عندها........ أمسك بالفرشاة وأمامى لوحتى الفارغة، أحاول أن أنقل فيها ذلك المشهد الذى أرى وهذه اللوحة التى أحس، فلا أستطيع......... أكرر المحاولة فتخرج خطوطاً متداخلة غامضة غير مفهومة............ ماذا يعنى ذلك؟! .......... إنى أنا من لقبها النقاد يوماً بحفيدة بيكاسو .......... أنا من يتوسل إليها المشهد لكى يصير لوحة فى متحفها.......... أنا من تناجينى فرشتى وتحفزنى أن أمسك بها وأعطها الإشارة فترسم وتخط خطوطها مسرعة كمن يعرف واجبه وماذا عليه أن يفعل دون انتظار حركات يدى.......... بل إن المشهد الذى أود أن أنقله على لوحتى يصير أكثر حقيقة حين تنقله فرشتى......... فما بالى الآن لا أستطيع أن أفعل شيئا من هذا.......... أين ما أعرفه عن الرسم؟! ............ أين موهبتي....... دراستى......... مخيلتى؟!
يتملكها اليأس سريعاً بعكس طبيعتها العنيدة....... المكابرة....... المتحدية، تترك فرشتها وقد أسر المشهد روحها تماماً، فتستسلم له وهى تسند رأسها إلى هذه القاعدة الخشبية للنافذة........... لكن لماذا اليوم بالذات؟!....... إن هذا المشهد يتكرر يومياً ومع ذلك لم يكن أبداً له مثل هذا الصدى الذى أشعره الآن بداخلى........ حتى هذا لا أريد أن أغوص أكثر فى البحث عنه، كل ما أريده الآن أن استسلم لمراقبة هذا الذى أرى........ وذلك الذى أحس ........
تمد يدها إلى جاكت صغير كانت قد وضعته على سريرها........ ترتديه وتصعد للجلوس على المقعد بجوار النافذة، وكأنها تنتظر شيئاً....... شىء مجهول لا تعرفه لكنها تتوق للقائه......... وبين يديها تمسك بكوب عصير البرتقال، تضغط عليه بكلتا يديها وكأنها تحتضنه......... تود لو يزودها الإحساس بالأمان...... بالدفء، فتحتفظ به هناك طويلاً دون أن ترشف رشفة واحدة منه.......... بينما ترقب آخر خيوط ضوء النهار المنسحبة فى وجل ومواساة لتلك الفنانة هائمة الروح التى هى فى طريقها للوقوع فى حبال سواد الليل الكالح بظلمته ووحشته وغموضه........... ذكرها سواد الليل بشعرها المنساب كظلماته حتى منتصف ظهرها، فمدت يدها تداعبه وتنشره حول عنقها........ وقد اعتدلت فى جلستها ورفعت قدميها عن الأرض لتضمهما حتى صدرها، فى حين راحت يديها تشد الجاكت لتحكم إغلاقه........ وأصابعها تتلمس كوب عصير البرتقال للتأكد أنه مازال هناك قابعاً فى حضن كفيها.......... ما هذه البرودة التى أشعر، وذلك الدفء الذى أتلمس؟! .......... تفزعها أصوات وريقات الشجر تداعبها نسمة الهواء الباردة، لكنها لم تر فى ذلك شىء من مداعبة.......... كان يخيل إليها أن نسمة الهواء تأتى مترنحة متدللة كامرأة لعوب طرية ثم تتوقف فجأة وقد صفعت تلك الأوراق بكل عنف وقوة، لتصدر هذه الأخيرة أنينها الخافض الذى لا ينقطع......... فينتفض جسدها لهذا الأنين المتواصل........ تتفرس تلك الأوراق وهذه الورود – المحيطة بها – بنظراتها المتفحصة العميقة الحائرة حتى إذا ما جاء دور صفعة النسيم الباردة تغمض عيناها وينتفض جسدها كله، فتشعر بخوف بغيض يلاحقه.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة