محمد حمدى

اغتيال الشعب

الخميس، 09 يوليو 2009 12:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى صباح يوم حار من أيام شهر مايو فى عام 2000، اجتمعت لجنة شئون الأحزاب برئاسة رئيس مجلس الشورى السابق الدكتور مصطفى كمال حلمى على عجل، وأصدرت بيانا تعلن فيه تجميد حزب العمل الاشتراكى ووقف جميع صحفه عن الصدور، وبدا مفهوما وقتها أن هذا القرار صدر بسبب الحملة الصحفية الشديدة التى شنتها صحيفة العمل (لسان حال الحزب) على الحكومة، بسبب نشر وزارة الثقافة رواية وليمة لأعشاب البحر، للكاتب السورى حيدر حيدر، والتى احتوت مساسا بالذات الإلهية.

ورغم إقالة أو استقالة المسئولين عن نشر الرواية ضمن إصدارات وزارة الثقافة، فإن صبر الدولة المصرية كان قد نفد من حزب العمل بسبب تحالفه فى عام 1987 مع حزب الأحرار وجماعة الإخوان المسلمين فى الانتخابات البرلمانية، فتقرر تجميد الحزب بنفس السيناريو المعتاد، أى دفع عدد من أعضاء الحزب للانشقاق والإيحاء بوجود صراع على قيادته، فتتدخل لجنة الأحزاب وتقرر تجميد الحزب وعلى المتضرر اللجوء للقضاء!

ومنذ هذا التاريخ صدر أكثر من 14 حكما قضائيا من القضاء الإدارى برفع التجميد الإدارى عن الحزب وعودة صحيفته للنور مرة أخرى، لكن أيا من هذه الأحكام لم ينفذ، ولم تعد الشعب إلى الحياة مرة أخرى ولا يزال زملاؤنا الصحفيون فى الشارع، بعد أن تقطعت بهم السبل.

وقبل أيام مرت الذكرى التاسعة لصدور قرار لجنة شئون الأحزاب بإيقاف صدور جريدة الشعب، ونظم الصحفيون وقفة احتجاجية أمام مجلس الشورى وبدأوا اعتصاما فى نقابة الصحفيين لعرض مشاكلهم وأبرزها:
إيقاف المعاشات الخاصة بالجريدة بعد إغلاق الملف التأمينى بشكل يتنافى مع نص القانون والدستور، الأمر الذى يعرض العاملين بالجريدة لكارثة فى حالة الوفاة أو بلوغ سن المعاش، وثبات المرتبات التى تسددها وزارة المالية وفقا لقرار رئيس الوزراء منذ تسع سنوات كاملة دون أية علاوة دورية أو زيادة على المرتبات صدرت بقوانين وقرارات جمهورية، ذلك بخلاف قصف الأقلام وضياع الحقوق الأدبية والمهنية.

وطالب الصحفيون بثلاثة مطالب محددة هى:
1- صرف جميع الزيادات التى صرفت للعاملين بالمؤسسات الصحفية من علاوات دورية وزيادات بقوانين وقرارات جمهورية.
2- إعادة فتح ملف تأمينات العاملين بالشعب وسداد جهة الصرف (وزارة المالية) لحصة اشتراكات التأمينات المتأخرة للصحفيين بها منذ توقف الجريدة عن الصدور.
3- السماح لنا بإصدار جريدة الشعب امتثالا للأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية العليا، وهى أعلى سلطة قضائية، وعودتها للصدور تطبيقا لبنود الدستور والمواثيق الدولية التى تحظر إغلاق الصحف بالطريق الإدارى.. علما بأن القواعد القانونية تقضى بتطبيق أحكام القضاء الإدارى حتى فى حالة وجود استشكال أو طعن على الحكم.

أمس كتب الصديق والزميل رضا العراقى معلقا على مقالى متسائلا: أين أنت من أزمة جريدة الشعب التى بدأت فيها حياتك المهنية؟.. قلبى مع رضا وجميع زملائى فى الشعب، ففى هذه الصحيفة قضيت أجمل أيام حياتى، وتعلمت فنون العمل الصحفى، وفيها التقيت وتتلمذت على يد رئيس تحريرها الأستاذ عادل حسين رحمه الله، وهو واحد من الصحفيين المميزين جدا فى التاريخ المصرى، ويعد كتابه "الاقتصاد المصرى من الاستقلال إلى التبعية" من أهم الكتب التى تناولت التحولات الاقتصادية التى حدثت فى مصر خلال عصر الانفتاح وبيع القطاع العام.

صحيفة الشعب مدرسة صحفية مميزة، وفى عصر سيادة الصحافة القومية استطاعت ترسيخ أقدامها بين الكبار، ووصل توزيعها إلى نحو مائتى ألف نسخة وكان يمكن أن تزيد لولا رفض الأهرام زيادة الكمية المطبوعة.

وخلال أحد عشر عاما صدرت فيها لعبت الشعب دورا كبيرا ومميزا فى تشكيل الوعى العام المصرى، ولم تسكت عن فساد، ولم تكن مثل صحافة اليوم "الشتامة"، ولم تفتح أى ملف دون أن يكون مدعما بالمستندات، ويكفيها أنها الصحيفة الوحيدة التى تسببت فى إقالة وزير داخلية هو زكى بدر، كما أدت حملاتها الصحفية إلى تغيير أكثر من وزير وكشف الكثير من أباطرة الفساد السياسى والمالى فى هذا البلد.

واستمرار منع الشعب من الصدور نقطة سوداء ستظل تلاحق هذا النظام، الذى ظل طويلا يتباهى بأنه لم يقصف قلما، ولم يعطل جريدة، لكنه اغتال صحيفة الشعب، وقصف أقلام عشرات الصحفيين المميزين جدا ممن كانوا يعملون بها ولايزالون يناضلون من أجل عودة صحيفتهم.. ونحن معهم.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة