لا يكاد يمر يوم إلا ويواجه المصريون فى الخارج مشاكل من نوعية تعرضهم للطرد أو الحبس أو التنكيل من قبل أصحاب العمل، مثل الحكم بجلد وحبس الطبيبين المصريين فى السعودية، وأحكام الإعدام الصادرة ضد 31 مصرياً فى ليبيا، كل هذا فى ظل غياب تام من جانب الحكومة ممثلة فى وزارتى الخارجية والقوى العاملة.
6 ملايين مصرى فى الخارج تعاملهم الدولة معاملة الغرباء، مع أن دولة مثل الفلبين، إحدى الدول المصدرة للعمالة مثل مصر، أنشأت ثلاثة صناديق لتوفير نفقات ترحيل عامليها المغتربين، ونفقات الاستشارات القانونية وأتعاب المحاماة لغير القادرين ولضمان قروض العاملين فى الخارج، وتوفير العلاج الطبى عند الضرورة ونقل الجثمان فى حالة الوفاة، فضلاً عن تعيين مستشار قانونى لشئون العاملين فى الخارج، وتخصيص نسبة من المقاعد البرلمانية لتمثيل العاملين الفلبينيين بالخارج.
فى المقابل، فإن شكاوى المصريين فى الخارج من تجاهل وزارة الخارجية لا تنقطع، والخارجية من جهتها تقول، إن مسئوليتها تقف عند التدخل فى القضايا المرفوعة من أو ضد المصريين فى الخارج، كما أن يدها مغلولة فى التعامل المادى تجاه هذه القضايا.
بعض السفراء يرون أن وزارة الخارجية ليس لها أن تتعامل مع ملف المصريين فى الخارج، وهو ملف ملىء بالأسلاك الشائكة والمفروض أن تضطلع بمسئوليته وزارة القوى العاملة والهجرة، لكن القوى العاملة تنفض يدها من هذا الأمر، وتقول، إن مهمتها قاصرة على إبرام الاتفاقيات والمعاهدات مع الدول المستقبلة للعاملة المصرية لفتح أسواق العمل أمامهم، أما ما يظهر من مشاكل، فأن السفارات المصرية فى الخارج هى المسئولة عنها.
ما بين الخارجية والقوى العاملة أصبح المصريون فى الخارج تائهون.. وهو ما يفتح الباب للحديث عن الحاجة لآلية جديدة للتعامل مع هذا الأمر للحد من مشاكل المصريين فى الخارج، خاصة وأنه كانت لدينا فى الماضى وزارة دولة للهجرة وشئون المصريين فى الخارج التى أنشئت وفق القانون 111 لعام 1981، وألغيت بالقرار الجمهورى رقم 1 لعام 1996. وكان دورها حماية حق الهجرة للمواطنين وفقا للدستور والقانون، ورعاية جميع المصريين المقيمين فى الخارج أياً كان الغرض من هذه الإقامة وتتخذ ما يلزم من إجراءات لضمان تحقيق هذه الرعاية على النحو الذى حدده القانون، وتعمل سواء من خلال ممثليها فى دول المهجر أو من خلال البعثات المصرية فى الخارج على حماية حقوق المصريين والدفاع عنها فى مواجهة الجهات الرسمية للدول التى يقيمون فيها.
إعادة إنشاء وزارة أو هيئة لرعاية المصريين فى الخارج مطلب يراه البعض ضرورياً ومن هؤلاء السفير مصطفى عبد العزيز مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون القنصلية، الذى قال، "أنا متفق مع الرأى المنادى بوجود وزارة أو هئية مستقلة تكون مسئولة عن ملف المصريين فى الخارج مثلما كانت هناك فى الماضى وزارة دولة لشئون الهجرة، أو على الأقل الموافقة على إنشاء هيئة رعاية المصريين فى الخارج التى سبق أن تقدمت بها وزارة الخارجية إلى مجلس الشعب دون أن يحدث جديد بشأنها".
واعتبر عبد العزيز، أن ترك الملف بين وزارتى الخارجية والقوى العاملة أضاع الكثير من حقوق المصريين فى الخارج، وقال إنه رغم تحديد اختصاصات كل من وزارتى الخارجية والقوى العاملة بحيث تتولى الخارجية القضايا القنصلية، فإذا تعرض المواطن المصرى فى الخارج لمشكلة فإنه فى هذه الحالة يدخل تحت عباءة وزارة الخارجية، أما القوى العاملة، فهى تختص بعقود العمل التى تتولى تنظيمها بالتعاون مع نظيرتها فى الدول المتلقية للعمالة المصرية، وهذا لا ينفى وجود تضارب فى الاختصاصات بين الوزارتين، وكان من نتيجته على الأقل أن أعداد المصريين العاملين فى الخارج لدى وزارة القوى العاملة تختلف عن تلك الموجودة لدى الخارجية، بسبب تعدد الجهات المسئولة عن السفر للعمل فى الخارج.
ورفض عبد العزيز اتهام الخارجية بأنها مقصرة فى ملف المصريين فى الخارج، وقال إن الخارجية تعانى فى تعاملها مع مشاكل المصريين بالخارج من ضعف عدد العاملين فى القنصليات المصرية، مما يجعل هذه القنصليات أقل من الحد الأدنى المطلوب، مشيراً إلى أنه أثناء توليه مسئولية القطاع القنصلى التقى مع مساعد وزير الخارجية للشئون المالية والإدارية، وطالبوا وزارة المالية بتزويد بعثات مصر الدبلوماسية والقنصلية فى الخارج بالإمكانات المادية والبشرية التى تمكنها من القيام بالمهام المطلوبه لتلبية مطالب المصريين فى الخارج، لكن لم يحدث شىء.
على خلاف عبد العزيز اعترض السفير محمد منيسى المسئول عن ملف إنشاء هيئة لرعاية المصريين فى الخارج بوزارة الخارجية، على فكرة وجود وزارة للمصريين فى الخارج، وقال إن هذه الوزارة كانت فاشلة وكان المقصود منها زيادة عدد الوزراء الأقباط فى الحكومة، خاصة أن الوزراء الثلاثة الذين تعاقبوا على تولى حقيبتها أقباط، وهم عدلى عبد الشهيد ووليم نجيب سيفين وألبرت برسوم، ومع مرور الوقت ثبت فشل هذه الوزارة تماماً، ووجدت القيادة السياسية أن وزارة الخارجية هى من تقوم بعملية رعاية المصريين فى الخارج، مما دفع الدكتور كمال الجنزورى أثناء تشكيله للحكومة عام 1996 إلى العمل على إلغاء هذه الوزارة، وبالفعل صدر القرار الجمهورى رقم 1 لسنة 1996 بإلغائها وإضافة اختصاصاتها رسمياً إلى وزارتى الخارجية والقوى العاملة والهجرة.
منيسى قال، إنه لا يوجد تعارض بين وزارتى الخارجية والقوى العاملة فى إدارة ملف المصريين فى الخارج، خاصة أن الخارجية هى المسئولة عن هذا الملف، لكن المشكلة ظهرت بعد زيادة مشاكل المصريين فى الخارج، وهى مشاكل فى الغالب ترجع إلى الصيغ التعاقدية بين العامل المصرى وصاحب العمل، وعادة ما تكون وزارة القوى العاملة هى المسئولة باعتبارها الجهة المنوط بها التأكد من صحة وتطبيق شروط عقود العمل، ومن خلال مستشاريها العماليين بالخارج مسئولة عن التدخل لدى أصحاب العمل لحل مشاكل العمالة المصرية، لكن ما يحدث أن المصريين فى الخارج غالباً ما يتركون المستشار العمالى ويذهبون مباشرة إلى السفارة أو القنصلية المصرية.
السفيرة وفاء بسيم مساعد وزير الخارجية قالت من جهتها، إن جميع الملفات الخاصة بالعاملين المصريين فى الخارج يتم فيها التنسيق بين وزارتى الخارجية من خلال القطاع القنصلى ووزارة القوى العاملة، مضيفه أن الوزارة غير مضطرة إلى الإعلان عن ذلك التنسيق طوال الوقت، ولكنه دائماً موجود، فكل وزارة لا تعمل وحدها. ولفتت بسيم إلى أن مشاكل المصريين فى الخارج ترجع فى الأساس إلى وجود عقد مزور، أو غير متكامل، أو مجحف هو ما يضع المواطن فى مشاكل بالخارج، مضيفة أن الخارجية تحاول إصلاح هذه الأمور، ولكنها أكدت على أن المواطن عليه الرجوع إلى وزارة القوى العاملة للاستفسار عن العقود التى يحصلون عليها للتأكد من مدى صحتها، وهى مسئولية تضطلع به القوى العاملة.
عائشة عبد الهادى وزيرة القوى العاملة والهجرة، التى تستعد لانعقاد مؤتمر المصريين فى الخارج، تحفظت على دعاوى إنشاء وزارة جديدة لرعاية المصريين فى الخارج، ورفضت إدعاء البعض بتداخل اختصاصات وزارتى القوى العاملة والهجرة ووزارة الخارجية عندما يقع مصريون فى الخارج فى أية مشاكل سواء للصيادين المصريين المختطفين عند السواحل الصومالية والسواحل الليبية، مضيفة أن الوزارتين تكملان بعضهما البعض والدليل على ذلك استقبال الوزارة لسفيرى مصر الجديدين فى أبو ظبى وإيطاليا والسفير الأردنى فى مصر.
وعلقت عائشة عبد الهادى على عودة المصريين مؤخراً من الجماهيرية الليبية بأنها تأتى فى إطار سياسة ليبية داخلية لتحجيم أعداد العمالة الأجنبية على أراضيها، كما أكدت على استقرار أوضاع العمالة المصرية فى دبى وأبو ظبى والمملكة العربية السعودية، وقالت إن هناك مليون مصرى بليبيا ومليوناً و400 ألف فى السعودية، ومليوناً ونصف المليون فى السعودية، لكن رغم تصريحات الوزيرة، إلا أن المشكلة لا تزال مستمرة، وعمالنا فى الخارج لا يزالوا يبحثون عن حقوقهم.
حقوقهم ضائعة بين "الخارجية" و"القوى العاملة".. ومهددون بالطرد فى كل لحظة..
العمال المصريون بالخارج.. مهاجرون بلا أنصار
الأربعاء، 08 يوليو 2009 08:51 ص