يُشعرك الخطاب الإخوانى العلنى أن أمريكا رجس من عمل الشيطان، ولكن المقالات التى يقرأها المثقفون والتى تُكتب من قبل صفوة الإخوان، تُعبر عن رؤيا أُخرى تماماً. فالخطاب الإخوانى، ازدواجى فى الكثير من الأمور. فيظهر اللعن والسب فى المظاهرات الإخوانية الخاصة بالأحداث السياسية الإقليمية، بينما تظهر النبرة الهادئة فى مقالات صفوة الإخوان من أمثال الدكتور عصام العريان.
فاليوم، لم تَعُد عَلاقة الإخوان بالأمريكان من الوهم، ولكنها حقيقة ظاهرة للعيان، أقرها العريان علناً، فى مقال مؤخراً فى جريدة الحياة اللندنية، رغم جيش من كُتاب الإخوان، الذين يريدون إقناع الأمة المصرية، بأنهم لم ولن يتعاملوا مع الأمريكان، بسبب دعم أمريكا لإسرائيل، على رأس الأسباب التى يطرحونها!
فلقد كتب العريان فى جريدة الحياة اللندنية، فى 1 مارس الماضى، مقالا موجها للإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس باراك أوباما، عنوانه، "الإخوان المسلمون والإدارة الأمريكية الجديدة.. هل من جديد؟"، وهو ما عبر عن مغازلة جماعة الإخوان للولايات المتحدة الأمريكية، علناً. والغريب، أن بداية العلاقة وفقاً للعريان، جاءت بمبادرة أمريكية فى عهد الرئيس كارتر، للوساطة فى مسألة الرهائن مع الإيرانيين بعد الثورة الإيرانية، وقبل التلمسانى، المرشد الإخوانى وقتها، الطلب الأمريكى، ولكن رفضته إيران! وعندما وجهت للعريان دعوة لزيارة خاصة للولايات المتحدة لشهر فى أواسط الثمانينات، رفض العريان ذلك، لاعتبارات برلمانية ودراسية وشخصية، وأكد فى مقاله، أن هذا لم يكن موقفا إخوانيا، بقدر ما كان موقفه هو، حيث أكد المرشد وقتها، مأمون الهضيبى، أن الجماعة لا تُمانع!!
وفى إشارة العريان إلى أن الإخوان كانوا يُغازلون إدارة جورج بوش الابن، قال بالنص: "مع قدوم إدارة الرئيس جورج بوش كانت كارثة 11 أيلول (سبتمبر) الرهيبة والتى ما زالت آثارها تتداعى حتى يومنا هذا، وأدان "الإخوان" تلك الحادثة فى صباح اليوم التالى فى موقف يتسق تماماً مع منهجهم ومع شريعة الإسلام ومع ما سبق من اعتراضات ضخمة للإخوان على السياسات الأميركية خصوصاً منذ الحملة على العراق لتحرير الكويت، ومع ذلك كان بيان الإدانة مقتصراً على رفض هذا النهج العنيف من دون إشارة إلى سياسات أمريكية، وعلى رغم ذلك تباعدت المواقف جداً بين "الإخوان" وبين إدارتى بوش "الابن".
وتكلم العريان عن اللقاءات المتعددة التى ضمت الإخوان والأمريكان، ثم أنهى المقال، بمناشدة باراك أوباما، مثلما "اعتاد" الإخوان المسلمون" توجيه رسالة مفتوحة إلى الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين منذ رونالد ريغان وبوش الأب وكلينتون وفى الدورة الأولى لبوش الابن، فتح صفحة جديدة مع الإخوان!!
هؤلاء هم الإخوان المسلمين، الذين كانوا إلى وقتٍ قريب يحلفون بعزة جلال الله، أنهم لم ولن يتعاملوا مع الأمريكان أبداً. وتلك الشهادة من قبل العريان، ما هى إلا تعبير عن سياسات أكثر عُمقاً، وما يقوله الإخوان حول أنهم لم ولن يتعاملوا مع الأمريكان، على مدى الزمن، أثبت كذبه، بمبادرة العريان، الذى ظن أنه يجنى ثمار نجاح، فإذا هى، ثمار خيبة. وبالطبع، فإنه يكشف الكذب الواضح، الذى يُمارسه الإخوان، متصورين أنه سياسة. ولا أعرف: هل كذبهم من الدين؟ هل هذا تعبير عن أن "الإسلام هو الحل"؟
ورغم تلك العلاقة التاريخية، كما جاء فى مقال العريان، فان الإخوان وفى إطار خطابهم الآخر، الموجه للبسطاء، يسبون أمريكا فى مظاهراتهم، ويُشعروا العامة، بكم الكره الذى يشعرون به حيال الولايات المتحدة. بينما أياديهم تُسلم على الأمريكيين فى الظلام!! إن هذا المشهد، وكما رواه الدكتور عصام العريان، مسئول المكتب السياسى لجماعة الإخوان المسلمين، إنما يُعبر عن "سياسة الغاية تُبرر الوسيلة"، وليس تعبيراً، عن غموض شعار "الإسلام هو الحل"!!
ولم يذكر العريان الكثير من أسرار العلاقات الأمريكية – الإخوانية، بالطبع، وإنما أظهر فقط، ما يجعل الإخوان يبدون وكأنهم الحمل الوديع، الذى لم يبدأ بالاتصال بالولايات المتحدة، إلا فى عهد الرئيس كارتر! ولكن، ما الثابت، من جراء الكتابات الأمريكية، هو أن الولايات المتحدة الأمريكية، رأت فى الإخوان "حليفا" جيدا بعد الحرب العالمية الثانية، فى حربها الباردة ضد الاتحاد السوفيتى، فاستقبل الرئيس الأمريكى أيزنهاور فى 1953، سعيد رمضان، صهر حسن البنا، الذى أدين فى قضايا هتك العرض فى مصر وبرأه البنا. وبعد ذلك، كانت العلاقة مُباشرة بين الإخوان والولايات المتحدة، ضد نظام عبد الناصر، مما يوحى بالمكيافيلية البحتة اليوم، عند سماع المرء عن تحالف الناصريين مع الإخوان.
وهناك تنظيمات إخوانية، داخل الولايات المتحدة الأمريكية، على رأسها، جمعية مسلمى أمريكاMAS) ) Muslim America Societ ، والتى أُنشئت عام 1993 بولاية إلينوى. ويعترف القائمون على الجمعية أن الإخوان، هم من أسسوها، ولكنهم يقولون، أنهم انفصلا، تماماً كما كان الإخوان يقولون، وأنهم ليس لديهم علاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية!!
فإذا ما كنا نتكلم عن علاقات ترجع، على أقصى تقدير، إلى العام 1953، بينما ينفى الإخوان، طوال الوقت، وجود مثل تلك العلاقات، فى كذب واضح، بينما يتشدقون بصفة "المسلمين" ويُعرفون السياسة وفقاً لمفاهيمهم، على أنها طريق مستقيم، فإننا أمام جماعة من المُحتالين، وليست إخوانا مسلمين! وفى تلك العلاقة تشويه للإسلام وليس للشعار الغامض، المرفوع من قبلهم، "الإسلام هو الحل"، لأن هذا الشعار، قد شوه من قبلهم بالفعل، ومنذ زمن وفى أكثر من مناسبة. ومازال للإخوان مصائب وأكاذيب، أكبر من تلك، وطالما مد الله فى العمر، كان لحوارنا بقية فى فضح مزاعم الإخوان وأكاذيبهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة