محمد حمدى

كلام فى اللذاذة!

الثلاثاء، 07 يوليو 2009 01:29 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى يومه الأول كرئيس للجمهورية استيقظ الرئيس الراحل أنور السادات ليجد سبعة ملفات ضخمة ممتلئة بالمعلومات على مائدة إفطاره، وحينما سأل عنها عرف أنها تقارير معلوماتية يومية تعرض على رئيس الجمهورية عن الوضع الداخلى والدولى ومن بينها تقرير عما تناولته الصحف اللبنانية التى كان الرئيس جمال عبد الناصر يحرص على الاطلاع عليها يوميا.. سأل السادات مساعديه: هل كان ناصر يقرأ كل هذه التقارير كل يوم؟.. وأضاف عشان كده مات بدرى.. لا أريد هذه التقارير بعد ذلك!

يبدو أن هذا كان بداية نهاية علاقة المصريين بالقراءة الدقيقة القائمة على المعلومات، وتحولنا إلى الثقافة الشفوية، فالرئيس لا يقرأ وإنما يسمع، وعدد كبير من الصحفيين يبنون رؤيتهم للأحداث وفق ما يشاهدونه على التلفزيون وما يستمعون إليه فى الإذاعة وهم فى سياراتهم.

أنا شخصيا أعرف الكثيريين من هذه النوعية، الذين لم يضبط أى منهم متلبسا بقراءة كتاب، أو محاولة التعرف على الوثائق السرية الأجنبية التى يكشف النقاب عن معظمها بعد سنوات ويمكن الاطلاع عليها على الإنترنت لمعرفة كيف يتعامل معنا الغرب.. وما الرؤية الحقيقية لصناع القرار عندنا وعندهم، وما يدور فى الغرف السرية.

لذلك ليس غريبا بعد أن تحولت أمة اقرأ إلى أمة اسمع وتكلم، أن تصبح برامج التوك شو هى المصدر الرئيسى وتكاد تكون الوحيدة لتوجيه الرأى العام وبناء قناعاته، وفى أحيان كثيرة يكتفى قراء الصحف والواقع الإلكترونية بالعناوين فقط لبناء وجهة نظر تتحول إلى رأى قد لا يكون صحيحا بالمرة.

خذ مثلا الخبر الذى بثته وكالة "أمريكا إن أراب" أمس حول استعداد أمريكا لنشر قوات فى سيناء، لقد قرأت 16 تعليقا للقراء على موقع اليوم السابع على الخبر معظمها تتحدث باعتباره تطورا خطيرا، يحتاج وقفة وصدرت مناشدات للرئيس بمنع نشر هذه القوات وأفتى البعض بأن الهدف هو ضرب إيران، وكذلك تهديد السيادة الوطنية وضرب الأمن القومى إلى آخر ذلك من اجتهادات.

ولم يقف الأمر عند القراء وإنما امتد إلى المسئوليين حيث نفى المتحدث باسم الخارجية فى تصريح صحفى الخبر جملة وتفصيلا، مع أنه لو قرأ الناس التقرير بعناية لاكتشفوا أن الأمر يتعلق بالقوة الدولية الموجودة فى سيناء عقب توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.

وتشكلت هذه القوة منذ 30 عاما لمراقبة التزام البلدين باتفاق السلام بينهما ويبلغ عدد أفرادها 1990 شخصا من 11 دولة هى فيجى ونيوزيلندا وكولومبيا وأورجواى وكندا وأستراليا والنرويج وإيطاليا والمجر وفرنسا والولايات المتحدة، ويبلغ عدد القوات الأمريكية فى هذه القوة الدولية حوالى 900 جندى وضابط، وتريد الولايات المتحدة منذ عدة سنوات تخفيضهم.

وتتمركز قيادة القوة فى العاصمة الإيطالية روما، ولها مكاتب تمثيل فى القاهرة وتل أبيب وتمارس عملها فى مراقبة حركة الملاحة وضمان استمرارها فى مضايق تيران وتسيير دوريات مراقبة بطول الحدود المصرية الإسرائيلية. وتعرف اختصارا باسم "ام.اف.او".

وتخضع القوة الدولية لإشراف الأمم المتحدة. وتشرف على اثنى عشر موقعا فى القسم الجنوبى لصحراء سيناء، منها خمس نقاط للتفتيش وسبع للملاحظة، بالإضافة إلى مشاركتها فى الدوريات اليومية لمراقبة الحدود المصرية الإسرائيلية، وغير مسموح لها القيام بعمليات عسكرية على الإطلاق.. ولا تمس بالسيادة الوطنية من قريب أو بعيد.

يعنى من الآخر، لم يكن الأمر يستحق هذه الضجة أو المخاوف أو الاتهامات ولا حتى النفى الرسمى من وزارة الخارجية، لأن تغيير القوات كل فترة وإحلال أخرى بديلا عنها أمر متبع فى مثل هذه القوات، مع العلم أن قوات مصرية تشارك فى العديد من مهام حفظ السلام فى العالم مثل كوسوفا وجنوب السودان ودارفور وغيرها، ولم يقل أحد أن الأمر يمثل مساسا بالسيادة الوطنية لتلك الدول.. عموما الكلام الحلو "ميتشبعش منه" وكله فى اللذاذة، والدردشة.. وتحيا الثقافة الشفوية.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة