محمود طرشوبى

هل فشل الإسلام السياسى حقا؟

الإثنين، 06 يوليو 2009 08:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ نشر الباحث الفرنسى أوليفيه روا كتابه الشهير "فشل الإسلام السياسى" سنة 1993 وأصبحت هذه المقولة شائعة على نطاق واسع فى الجامعات والمراكز البحثية سواء فى مختلف العواصم الغربية أو فى العالم العربى على السواء. فهل فعلا استنفدت الحركات الإسلامية أهدافها ودخلت مرحلة التراجع والفشل؟ وهل يعود فشل الإسلام السياسى إلى فشل الهدف الرئيس للحركات الإسلامية ممثلة فى إقامة الدولة الإسلامية كما يقول الباحث الفرنسى فى كتابه «فشل الإسلام السياسي». أم أن الفشل مرتبط بعوامل أخرى سواء داخل حركات الإسلام السياسى أم مرتبط بطريقة تعامل الأنظمة فى الدول العربية والإسلامية تجاه حركات الإسلام السياسى. فهل حقا فشل الإسلام السياسى؟

فى البداية أحب أن أشير إلى إن مصطلح الإسلام السياسى والذى على الرغم من استخدامنا له، إلا أن لى تحفظا عليه. إذ يكاد يظن من يسمع بهذا المصطلح أن الإسلام منه السياسى ومنه غير السياسى على غرار دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر، وهذا فى تقديرى خطأ فادح، فالإسلام ليس دينا مجرد دين، وإنما هو منظومة متكاملة من الأفكار والمعالجات والأحكام.

فبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وجه الإعلام العالمى اهتمامه نحو الحركات الإسلامية خاصة السياسية منها والتى تسير على مبدأ الإسلام - وهو المصدر الوحيد لرسم الخطوط العريضة لسياستها وسيرها - فتجد فى الإعلام العالمى من يحاول تشويه الإسلام والإيحاء للرأى العام بأن الإسلام السياسى قد فشل فى تجربته.

والسؤال الآن هو، من الذى فشل ومن الذى نجح؟ هل هو الذى ينادى بوجود كيان سياسى متميز للأمة الإسلامية ويسير على أيديولوجية ثابتة لا تتغير ولا تتبدل؟ أو الذى ينادى بتطبيق الإسلام مع مشاركة الأنظمة الحالية الحكم أى الذى تم وصفه بأوصاف كالاعتدال والوسطية والانفتاح.

والحقيقة أن المتتبع للأفكار فى بلاد العرب والمسلمين يصل إلى نتيجة مفادها أن الساحة الفكرية والسياسية تشهد فراغا كبيرا لا يمكن أن يملأه إلا الحركات الإسلامية التى تعمل على تطبيق الإسلام كاملا.

فقبل حوالى أكثر من أربعة عقود كانت الساحة العربية تنتشر فيها كثير من الأفكار المأخوذة من الفكر الاشتراكى والماركسى وكانت القومية العربية لها أثرها الكبير وكذلك الأفكار الوطنية تحت مسميات شتى لها أثر، علاوة على الانجذاب إلى الأفكار الغربية ومنها فكرة الديمقراطية والرأسمالية والحرية.

وكان الإسلام فى الجانب الآخر والحركات الإسلامية، خاصة الواعية منها، قد صارعت هذه الأفكار صراعا مريرا.. فالقومية مثلا مرت بمراحل تحطمت فيها من الانشقاق فى حزب البعث وتحوله إلى حزبين حاكمين متصارعين فى كل من العراق وسوريا مرورا بالهزة التى أحدثتها هزيمة 67 والتى كسرت مشروع الناصرية إلى مشاركة النظام السورى القومى العربى للقوات الأميركية فى ضرب العراق إبان حرب الخليج الثانية، وأخيرا احتلال العراق وانكشاف الكذبة الكبيرة المسماة حزب البعث والذى تحول من حزب فكرى إلى سلطة للحكم زالت بزوال النظام، بل وإن ساحات المقاومة التى امتلأت بها العراق لم يكن من نصيب حملة فكرة القومية منها شأن يذكر.

أما الاشتراكية والتى حاول أن يطبقها عبد الناصر وصدام حسين وغيرهم فقد اصطدمت بما حملوه من أفكار قومية، فأضحت مزيجا هلاميا لا يمكن فرضه إلا بقوة الدولة وليس بناء على اقتناع المجتمع به، ولعل انهيار الاتحاد السوفيتى كان نقطة تحول لهذا الفكر والذى تمثل بدولة. وبعد الانهيار لم يجد أتباع هذا الفكر أنفسهم فى بلاد العرب والمسلمين إلا أفرادا شتى لا شأن لأفكارهم وأطروحاتهم بالمجتمع.

أما أفكار الغرب ومنها الديمقراطية والليبرالية فقد انهارت فكريا على أيدى أصحابها فمن يريد الديمقراطية فعليه أن يرى نموذجها فى سجون جوانتانموا وأبو غريب، أو فى دعم الولايات المتحدة للأنظمة القمعية والتغاضى عن سلوكها فى مقابل الخدمات التى تقدمها، بل والذى يحب أن يرى نموذج الاقتصاد الحر كمثل أعلى، لا يملك إلا أن يرى ما فعلته الأزمة المالية الأخيرة فى العالم.

و لم يبق مرشح الآن إلا الفكر الإسلامى ومنه الإسلام السياسى
إن الواقع يشير بشدة إلى أن الرأى العام الكاسح يتجه بقوة إلى الإسلام ومنه الإسلام السياسى والذى غاب عن الوجود بسبب غياب الدولة المطبقة له، فقامت حركات وأحزاب على أساس الإسلام حاولت أن توجد الإسلام أو جزءا منه، وربما أخطأ بعضها هنا أو هناك فى بعض تصرفات، ربما بسبب غياب التصور الواضح عن الطريقة الصحيحة والواضحة فى كيفية عودة الإسلام إلى الحكم والعلاقات الدولية.

ولم يعد القول اليوم بصعود «الإسلام السياسى» من قبيل المناكفة السياسية أو الإعلامية، بل هو الواقع بكل تَجَلِّيَاتِه، إنه العصر الذى يتواجد فيه الإسلاميون اليوم داخل دولا قضى الغرب قرونًا فى مسخها من هُوُيَّتِها، فمَنْ كان يُصَدِّقُ أن يكون هناك إسلاميين فى القرن الحادى والعشرين يحكمون تركيا وبكل اقتدار، بعد أن قيل ويقال عن غياب المشروع والرؤية لدى الإسلاميين، من منا ظن يوما إن الإسلاميين ممكن أن يكون لهم تواجد فى الجزائر بعد الهجمة الثقافية الشرسة من قبل الاستعمار الفرنسى.

فأَى فشلٍ «للإسلام السياسى» إذن!؟ أم هل التهميشُ والْمَنْعُ والحصار للحركات الإسلامية، يُسَمَّى فشلاً لهذه الحركات؟ وهل الاستبداد المدعوم من الغرب ضد الإسلاميين وحركاتهم وأحزابهم ومؤسساتهم يُسَمَّى فشلاً؟ فإذا كان هذا يُسَمَّى فشلاً، فما النجاح إذن؟
فالإسلام السياسى، هو الحدثُ الأبرزُ والأكبرُ فى كل شريطٍ أو مادةٍ خبريةٍ إعلاميةٍ يُرَادُ لها النفاذُ.

ومع هذا، فإننا نقول إننا فى عصر ما قبل الإسلام السياسى، فما تزال هناك الكثيرُ من الحركات الإسلامية، خارجَ إطار الفعل والتأثير، إذْ لا زالتْ فى هوامش العمل السياسى الْمُتَعَمَّدِ، من قِبَلِ الداخل أو الخارج، ولكن مع هذا سيأتيها الدور، لتُمَارِسَ نشاطها داخل إطار الإسلام السياسى حتمًا، شِئنَا أم أَبَيْنَا.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة