حادث مقتل الشاب المسلم على يد صاحب متجر مسيحى فى محافظة الدقهلية بسبب الاختلاف على مبلغ أربعة جنيهات وما ترتب على الحادث من فتح بؤرة جديدة من بؤر الفتنة الطائفية فى محافظات مصر، هذا الحادث أدى إلى فتح باب الحديث عن العنف الذى كسى التعامل الاجتماعى بين الناس فى محاولة للوصول إلى الأسباب التى أدت إلى وصول المجتمع لهذه المرحلة الخطرة، خاصة مع انتشار الجرائم التى ترتبت على أسباب لا تساوى حجم الجرائم نفسها والتى لوحظ فيها أن رد الفعل أصبح أقوى من الفعل نفسه فى دلالة على أن المجتمع بدأ يجتاحه السلوك الإجرامى المتهور فى تعامل أفراده نتيجة الضغوط النفسية والاجتماعية التى إصابته فى الحياة اليومية بالإضافة إلى الكراهية التى تطبعت بها تصرفات الأفراد تجاه غيرهم والتى دعمها شعور المواطنين بالظلم والاضطهاد.
فهذا سائق تاكسى يطلب من "جناينى" بأكتوبر إعطائه 15 جنيها كأجرة نظير توصيله، إلا أن الثانى يرفض فقام الأول بطعنه عدة طعنات حتى أسقطه قتيلا ثم لاذ بالفرار ونجار مسلح يقتل زميله بسبب اختلافهما على أولوية تناول الشاى، وسائق يقتل صديقه بعد رفضه رد مبلغ 100 جنيه، وآخر يقتل ابن عمه بعد اختلافهما من يبدء بضرب الكرة فى إحدى المباريات، وموظف يقتل مديره لعدم صرفه العلاوة الخاصة به، وقهوجى يقتل صديقه بعد فوزه عليه فى سباق موتسيكلات.
د.أمام حسين الباحث بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية يقول، إن حادث القتل الذى تعرض له الشاب المسلم على يد صاحب المتجر المسيحى فى الدقهلية، لم تكن بدايته لها صلة بأية فتنة طائفية، ولم يكن التعامل بين الطرفين على أساس أن طرف منهما مسلم والطرف الآخر مسيحى، لكن التعامل كان مثل أى تعامل يومى بين بائع ومشترى، وبعد وقوع الحادث تطورت أبعاده وأخذت بعدا آخر غير البعد الحقيقى له وأخذ الناس يرددون أن هناك فتنة طائفية بسبب قتل المسيحى للمسلم، وساهمت فى ذلك وسائل الإعلام المرئية التى لم تتعامل مع الحادث بموضوعية ولم تضعه فى إطاره الطبيعى وساهمت أيضا فى تشكيل رؤية المواطنيين للحادث على إنه فتنة طائفية، وكان من الواجب على وسائل الإعلام أن تطرح الحادث على أنه مثل أى حادث آخر، كمشادة كلامية تطورت إلى مشاجرة سقط أحد طرفيها قتيلا دون التطرق إلى ديانة كل منهما وتوضيح أن هذا الحادث كان من ضمن أسبابه التحفظ الذى أصبح سمة أساسية فى تعاملات الناس مع غيرهم، ولجوئهم للعنف كوسيلة لحل المشاكل بشكل أسرع.
ويكمل د.إمام حسين حديثه قائلا، إن فى مثل هذه الأوضاع لابد من ضبط النفس وتكريس كافة جهود الجماعات المحلية من القيادات الدينية المسلمة والمسيحية وأعضاء المجالس المحلية لاحتواء الأسرتين والسيطرة على أشكال العنف التى ستترتب على الحادث، بالإضافة إلى وضع الحادث فى إطاره القانونى ومحاسبة الجانى بأقصى سرعة، مع التواجد الأمنى غير المكثف واليقظة الأمنية التى من شأنها منع أى أحداث شغب وتحسبا لعدم وقوع أى مشاكل.
وتضيف د.سوسن الغزالى أستاذ ورائدة الطب السلوكى فى مصر والأستاذ الزائر بجامعة واشنطن، أن أسباب انتشار الجريمة دون وجود أسباب قوية تدعو لها هى أن تصرفات الأفراد بدء يكسوها الطابع الانتقامى الساذج دون تقدير للمسئولية الناتجة عنها، بالإضافة إلى تحكم الغرائز وافتقاد المبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية التى من المفترض أن تصاحب تعاملات الأفراد فيما بينهم.
كما أن الظروف الصعبة التى صاحبة المجتمع فى الآونة الأخيرة من تمييز وبطالة وفقر وانتشار للمخدرات وصعوبة تحقيق الحلم بحياة سعيدة أدت إلى الإحساس بالظلم والقهر الاجتماعى والكره لباقى الأفراد من أصحاب الطبقة القادرة وعدم الثقة فى الوصول إلى الحق من خلال القانون كل هذا ساعد على زيادة الطابع الانتقامى فى تعاملات الأفراد فلجأوا إلى الوصول إلى حقوقهم عن طريق "العافية".
بينما يرى د.محمد النحراوى أستاذ علم النفس بجامعة الأزهر أن المجتمع المصرى يعانى كثيرا من الأمراض التى منها الامبالاة المصاحبة للافعال وعدم تقدير حجم النتائج والاضرار بسبب غياب ما يمكن أن نسميه بالرادع الذى باستطاعته مساعدة القيم والمبادئ على الرسوخ فى تعاملات الأفراد مما أدى إلى استخدام العنف كلغة فى التعامل دون اللجوء الى الحلول. الناتجة عن الحوار والتناقش بالإضافة إلى الدور السلبى التى تشارك به المساهمة الإعلامية فى تدعيم العنف من خلال المواد التى يتم طرحها على القنوات التى تنشر التمييز الطائفى بالإضافة إلى تشبيه الشخص المسالم بالضعيف، والذى يلجأ الى استخدام العنف فى تعاملاته بالشخص المثالى المحبوب.
كما أن غياب الرعاية الأسرية وعدم غرس فضيلة التسامح وزرع العنف فى نفوس الاطفال منذ الصغر بالإضافة إلى التشتت الأسرى الذى من شأنه جعل الإنسان على استعداد لارتكاب الجريمة.
ويتحدث د.مصطفى رجب أستاذ ورئيس قسم التربية بجامعة سوهاج قائلا إن الرادع القانونى يعد المانع الأول الذى من شأنه حماية المجتمع وأفراده ممن تتمثل شهوتهم فى الاعتداء على الآخريين دون أى إدراك لمدى الضرر الذى يتسبب به للآخرين، فإذا أصبح الرادع القانونى ضعيفا مهلهلا انتشرت الجريمة بكل مستوياتها وأنوعها، خاصة إذا اتسم الرادع القانونى بقدرته على أخذ الثأر من بعض الفئات وتغاضيه عن فئات أخرى لأسباب ليس لها أى علاقة بالعدل الاجتماعى ،ومن هنا إذا أرادت الدولة القضاء على العنف لابد أن تنتهج سياسة الحيادية والعدل بين المتخاصمين دون النظر إلى ماهيتهم وانتمائتهم.
صناعة الفتنة من الحوادث الصغيرة .. تاجر يقتل شاب بسبب 4 جنيهات ونجار يقتل زميله بسبب كوب شاى والكل يتحجج بالضغوط الاجتماعية
الأحد، 05 يوليو 2009 10:38 ص
ترتكب جرائم لأتفه الأسباب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة