لماذا طلب صلاح نصر من ثروت عكاشة التوسط لإقناع عبدالحكيم عامر بالعدول عن فكرة الانتحار؟

الخميس، 30 يوليو 2009 07:56 م
لماذا طلب صلاح نصر من ثروت عكاشة التوسط لإقناع عبدالحكيم عامر بالعدول عن فكرة الانتحار؟ عبد الحكيم عامر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى أحد لقاءاتى به، سألت الدكتور خالد جمال عبدالناصر عن أكثر لحظات الحزن التى شاهد فيها والده، فقال ثلاث لحظات: الأولى بعد قرار انفصال سوريا عن مصر عام 1961، والتى أدت إلى فشل مشروع الوحدة بين البلدين عام 1958، والثانية بعد انتحار المشير عبدالحكيم عامر، والثالثة حين كان يأتيه خبر استشهاد جندى مصرى أثناء حرب الاستنزاف مع إسرائيل.

كانت قصة انتحار عامر واحدة من القصص الدرامية فى تاريخ ثورة يوليو، وحملت سمات إنسانية متنوعة، فهو الرجل الذى كان يعد الثانى فى تركيبة الدولة المصرية بعد ثورة يوليو، وهو الرجل الذى ارتبط بصداقة عمر مع عبدالناصر منذ أن كانا سويا فى الكلية الحربية، وهو الرجل الذى تربع على عرش القوات المسلحة دون كفاءة منه مما أدى إلى نكسة يونية 1967، كان عامر ووفقا لشهادات كثيرة ممن اقتربوا منه أقرب إلى تكوين شخصية العمدة أو كبير «الدوار» فى الريف المصرى يحب شلته، ويعمل على الارتقاء بها فى كل شىء، وهو بذلك أبعد ما يكون عن الانتماء إلى فكرة جامعة يعمل على الارتقاء بها، والمؤكد أن نكسة يونيو والدراما التى أحاطت بها أكدت انتهاء الرجل من زاوية تكوينه، ومعها توصل إلى أن الحياة بالنسبة له مثل عدمها، فلا هو سيستطيع ممارسة «كبير الدوار» الذى كان يمارسه قبلها، ولا هو سيستطيع مواجهة التحديات الجديدة التى احتاجت إلى قيادات عسكرية من نوع جديد، ومن بين كل الشهادات التى قيلت فى مسألة موته بالسم تظل شهادة الدكتور ثروت عكاشة، وزير الثقافة فى عهد عبدالناصر وإحدى القيادات البارزة فى تنظيم الضباط الأحرار الذى قام بثورة يوليو، واحدة من الشهادات الهامة فى هذه القضية، وأهميتها تأتى من أن عكاشة كان قريبا من عامر وناصر، كما أنها توضح الخصال الإنسانية التى تمتع بها عامر والتى يمكن معها التأكد من أن الرجل بعد النكسة كان أقرب إلى فكرة الخلاص من البقاء على الحياة.

يقول عكاشة: «فى ساعة متأخرة من ليلة الخميس 8 يونيو اتصل بى المرحوم صلاح نصر مدير المخابرات العامة ليبلغنى أن عبدالحكيم عامر قد عقد العزم على الانتحار، ورجانى لما يعرفه عما كان بينى وبين عبدالحكيم عامر من ود قديم أن أسرع إليه عسى أن أثنيه عما اعتزمه»، ويضيف عكاشة: «فى الطريق إليه أخذت أقلب الرأى، كيف لى أن أقنع رجلا يدفعه شعوره بالمسئولية أن يضع مثل هذا الحد لحياته إثر تلك الهزيمة المفجعة، ورحت أراود نفسى هل أثنيه عما سيفعل استجابة لعاطفة الود، أو أدعه يمضى فيما هم به استجابة لما يمليه عليه ضميره، ولكن جانب العاطفة كان الأغلب فمضيت إليه، وحين بلغت مقر القيادة العامة - وكنا عندئذ فى منتصف الليل - لقيت صلاح نصر هناك فلفنى وإياه صمت الذهول، وبقينا كذلك لحظات تثقل علينا فيها خطا الدقائق، وكأنها أقدام سنوات هرمة».

يضيف عكاشة: «صحبنى أحد الضباط إلى غرفة صغيرة حيث كان عبدالحكيم عامر جالسا يترقب قدره فى صمت رهيب، ورأيت فى عينيه ما هو عازم عليه، وهنا تملكتنى رهبة، وكدت أسلم معه بما هو مقدم عليه، وكنت على وشك أن أعدل عما جئت له، ولكنى لبثت بجواره حتى مطلع الفجر بعد أن عز على أن يكون هذا مصيره، فأخذت أسرى عنه، وأضرب له ما حضرنى من أمثلة من التاريخ تشابه ما نحن فيه، ثم أعود فأذكره بموقف ديننا من المنتحر الذى يكاد يرده إلى الكفر، على أنى رأيت عينيه الجاحظتين تكادان تفصحان عن تصميمه على أن يترك الحياة، ولكنى مازلت به أخفف عنه حتى عاودته شبح ابتسامة فاطمأنت نفسى قليلا، وقد نال الإرهاق من كلينا، فتركته مودعا بعد أن رأيته يهوم برأسه وقد غلبه النعاس فأطرح على كرسيه، وأخذت أثناء عودتى أردد فى نفسى أنه كان أولى بعبد الحكيم عامر منذ أن رأى أثناء العدوان الثلاثى فى عام 1956 أنه لا قدرة له على أن يحمل تلك الأعباء الثقال أن يثوب إلى رشده قليلا ويتخلى عن منصبه لغيره ممن هو أقدر حنكة وتجربة وخبرة».

كان هناك لقاء آخر وأخير بين عكاشة وعامر، بناء على عرض للوساطة من ثروت وافق عليه عبدالناصر الذى قال فيه عكاشة لعامر: «أفاتحك بما جال فى خاطرى بعد انصرافى عنك فى تلك الليلة التى زرتك فيها وأنت عازم على الانتحار، فقد حدست أنه من الأوفق لك أن تتخلى عن موقفك بدلا من أن تتخلى عن حياتك، وفى هذا إنصاف لك، ثم إبعاد لك من أن تنزلق إلى موطن لا يرضاه لك الله، فضلا عن أن الرأى العام لا يرضى لك - وهو محق - أن تعود ثانية إلى قيادة القوات المسلحة بعد ما كان، ومن الخير أن تصرف هؤلاء الضباط الذين احتشدوا حولك فى بيتك، وما أظنهم فيما فعلوا يقصدون وجه الله ولا الخير للوطن، ويضيف عكاشة أنه وجد عبدالحكيم لا يلقى بالا لما شرحه له، بل علق أنه ليس فى حاجة إلى عظة بعد هذه العظة التى تلقاها عن الهزيمة والتى أكد أنها تحز فى نفسه وأنه يخزى لها كل الخزى.

يشير ثروت عكاشة إلى أن عامر حدثه عن ثقته التامة بمن حوله لكن عكاشة لم يخف عليه أنه مسرف فى ثقته بهم، فهتف عامر مناديا بعض الضباط واحدا إثر الآخر ومضى يلقى عليهم بعض الأسئلة ويتلقى منهم بعض الإجابات حتى يدلل لعكاشة مدى إخلاصهم له، فقال له عكاشة: «ما أسرعهم إلى الفرار من حولك حين يجد الجد»، ويضيف: «أكدت له أنه لن يجد من هو أخلص منى فى هذه الآونة لتقديم النصح، وتمنيت عليه أن يثوب إلى رشده قبل فوات الآوان، فإذا به يتمتم بعبارة يائسة: «دعنى أجرب فرصتى فلست أهاب الموت، بل ما أحبه إلى فى هذه المحنة التى أعانيها»، يقول ثروت إن هذه الكلمات أثارت الشجن فى أعماقه، مما أرجع إلى خاطر صورة ريتشارد الثانى وهو يندب حظه هو الآخر فى موقف أشبه ما يكون بهذا الموقف المأساوى.

فشلت وساطة ثروت عكاشة، ويقول إنه لما تلقى خبر انتحار عامر من زكريا محيى الدين: «أحسست بحسرة عميقة يعلم الله كم كان مداها فى نفسى، ولكم تمنيت عندها أنى لم أثنه عن عزمه حين حاول أن يخلص من حياته عند الهزيمة فى الثامن من يونيو.

لمعلوماتك...
1919 العام الذى ولد فيه عامر يوم 11 ديسمبر





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة