يسرى فودة

على طريقة «قل ولا تقل».. هكذا يتعلم الإسرائيليون فنون الكذب

قاموس إسرائيلى لغسل المخ

الخميس، 30 يوليو 2009 07:58 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄الدكتور فرانك لونتز «خبير التجميل» السياسى الأمريكى الذى ساهم فى تزيين الوجه القبيح لإدارة بوش الصغير بأنسجة مستعارة قوامها الكذب والخداع والتضليل، يقوم منذ عام 2003 بإجراء العمليات الجراحية نفسها على وجه إسرائيل الأقبح

المصطلح الإنجليزى Spin Doctoring مصطلح مازلنا نعانى كى نجد له مقابلاً فى اللغة العربية، ومازلنا نحتاج فى سبيل شرحه إلى جملة طويلة من هذا القبيل: هو عملية يقوم فى إطارها أحد المغرضين بالتعامل مع حدث أو مجموعة من الأحداث أو مع معلومة أو مجموعة من المعلومات التى تهم الرأى العام بطريقة خاصة بحيث يتعمد تفسيرها وتحويرها بصورة توافق أجندة معينة لتحقيق مصلحة معينة.

ومن الواضح أن ثمة خطوط تقاطع بين هذا المفهوم ومفهوم الدعاية السوداء Black Propaganda الذى برع فيه جوبلز، قائد الدعاية النازية فى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى، وإن كان أكثر تعقيداً بكثير. ومن أبرز علامات تعقيده تظاهره فى معظم الأحيان بـ«احترام» عقل المستمع من خلال مجموعة متنوعة من الحيل من أهمها التنازل عن نقطة (كى يقع المستمع تحت شعور أن المتحدث عادل) ولكن فقط تمهيداً للحصول على نقطة أخرى أهم. وعادةً ما يقترن ذلك بالإيحاء بأن مضار عدم الأخذ بوجهة نظر المتحدث أكثر من فوائده، وهو ما يمكن أن يصل فى بعض الأحيان إلى مستوى الإرهاب الذهنى والنفسى.

مثلاً، فى إيحاء مبطّن باحتمال احتواء أحد شرائط بن لادن الذى أذاعته قناة الجزيرة على شفرة سرية للتخاطب مع أتباعه، علق آرى فلايشر، المتحدث باسم البيت الأبيض فى أكتوبر 2001، قائلاً: «فى أفضل افتراض، رسالة بن لادن دعاية تدعو الناس إلى قتل الأمريكيين، وفى أسوأ افتراض، ربما يقصد إصدار أوامر لأتباعه بشن هجمات من هذا القبيل».

الطريقة كلها التى تبنتها إدارة بوش الصغير لترويج مشروع غزو العراق طريقة تستحق الدراسة دون شك باعتبارها نموذجاً رائعاً لبيع ما يصعب بيعه. تجلت فصولها فى حيل كثيرة متنوعة وصلت إلى ذروتها عندما رفعت الآنسة كوندوليزا رايس، وكانت وقتها مستشارة الرئيس لشئون الأمن القومى، سماعة الهاتف إلى رؤساء تحرير كبريات الصحف وشبكات التليفزيون الأمريكية عشية الغزو برسالة مفادها: «أولادنا الآن فى طريقهم إلى ميدان المعركة». بعبارة أخرى: «إذا قُتل أحدهم فأنتم مشاركون فى المسئولية».

ورغم أن حجة من هذا القبيل توجد لدينا عندما يتعمد بعض المسئولين خلط مفهوم «مصر» بمفهوم «حكومة مصر» من باب الإرهاب الوطنى، فإن غياب مقابل لغوى سهل لذلك المصطلح الإنجليزى يوحى لأول وهلة بابتعاد الشخصية المصرية فى أصلها عن أساليب التدليس والتحريف والخداع. ولكن، مثلما أن «القانون لا يحمى المغفلين»، فإن من الحكمة التعرف على تلك الأساليب، ليس بالضرورة لاستخدامها لتحقيق هدف نبيل، بل على الأقل لمساعدة جهاز المناعة الذهنية على قبول التحدى عندما يُفرض التحدى عليه.

تعالوا إذن نحاول التعامل مع هذا التحدى الذى فُرض علينا؛ إذ إن الدكتور فرانك لونتز، «خبير التجميل» السياسى الأمريكى الذى ساهم فى تزيين الوجه القبيح لإدارة بوش الصغير بأنسجة مستعارة قوامها الكذب والخداع والتضليل، يقوم منذ عام 2003 بإجراء العمليات الجراحية نفسها على وجه إسرائيل الأقبح باستخدام الأنسجة المستعارة نفسها.

واليوم يصدر «قاموساً» جديداً يواكب التطورات ويقدم وصفة جاهزة للمتحدثين باسم إسرائيل ولأصدقائها تشرح لهم كيف يمكنهم أن يلفّوا أدمغة الآخرين بدءاً من أروقة الجامعة إلى صالات الكونجرس.

يقع «القاموس» فى ثمانية عشر فصلاً يمكن للقارئ أن يستشف فكرةً عن محتواها ومقصدها من خلال العناوين: 25 قاعدة للاتصال الفعال، قاموس الكلمات المؤثرة، كيف تتحدث عن سلطة الحكم الذاتى الفلسطينية وعن الرخاء، عزل حماس المدعومة إيرانياً باعتبارها عقبة فى طريق السلام، لغة الخطاب بشأن إيران النووية، غزة وحق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها وفى بناء حدود قابلة للدفاع، السلام هو الرسالة المحورية، المستوطنات، القدس، ضمانات القروض والمساعدات العسكرية، الحائط الأمنى ونقاط التفتيش، حق العودة يساوى حق المصادرة، الأمم المتحدة، الحديث عن عرب إسرائيل، الحديث عن الأطفال وثقافة الكراهية، دروس مستفادة من لغة الرئيس أوباما، الحديث إلى اليسار الأمريكى، الحديث عن إسرائيل فى الجامعات. ويضيف «خبير التجميل» إلى تلك الفصول أربعة ملاحق عناوينها: أصعب الأسئلة، ميثاق حماس، حقائق مهمة، الملصقات المصورة الناجحة.

بلا لف ولا دوران، تكتب جينيفر مزراحى، العضو المؤسس ورئيس «مشروع إسرائيل»، فى تقديمها للقاموس: «نيابةً عن مجلس الإدارة وفريق المؤسسة، نقدم هذا الدليل لأصحاب الرؤى على خطوط المواجهة الذين يخوضون الحرب الإعلامية من أجل إسرائيل. نريدكم أن تنجحوا فى كسب العقول والأفئدة. إننا نعلم أن نجاحكم فى مهمتكم هو سند لإسرائيل وللأسرة اليهودية حول العالم. ومن ثم فإننا نقدم لكم هذه الكلمات متمنين لكم كل نجاح. عسى أن تجلب كلماتكم السلام والأمن لإسرائيل وللشعب اليهودى».

أما الدكتور فرانك لونتز نفسه فيكشف النقاب سريعاً عن وجهه الحقيقى فى مقدمته للكتاب: «لقد كتبت أول قاموس لغوى لحساب مشروع إسرائيل عام 2003، ومنذ ذلك الوقت شهدت إسرائيل ثلاثة رؤساء حكومة وتعثر كثير من مبادراتها للسلام ووجدت نفسها ضحية للهجوم من حدودها الشمالية والجنوبية على حد سواء، كما عانت كثيراً فى محكمة الرأى العام. ومن ناحية أخرى، توقفت العمليات الانتحارية اليومية فيما أثبتت حماس وأثبت حزب الله أنهما منظمتان إرهابيتان لا رحمة فى قلوبهما مثلما حذرت إسرائيل من قبل. ويبدو أنه كلما تغيرت الأمور بقيت تلك الأمور على حالها».

ويمضى «خبير التجميل» السياسى فى مقدمة الكتاب: «المواد الواردة فى هذه الوثيقة كلها إما جديدة أو تم تحديثها بناءً على بحوث أجريناها فى عام 2008 وعام 2009، جانب من اللغة المستخدمة سيبدو مألوفاً؛ فمعظم الأمثلة التى استخدمناها فى باب (الكلمات المؤثرة) استقيناه من تصريحات لمسئولين ومتحدثين رسميين إسرائيليين، غير أن نتائج الاستطلاع والنصائح والتوصيات الاستراتيجية كلها مبنية على الموقف الراهن، أرجو أن ينتفع المدافعون عن إسرائيل من الجهد الوافر الذى استدعاه تأليف هذا العمل، كما أرجو أن يكون هذا هو آخر قاموس لغوى لإسرائيل أجدنى مضطراً إلى تأليفه».

يقول قوله هذا ثم ينزل إلى «أرض المعركة»، دعونا نعصر على أنفسنا ألف ليمونة ونقدم لكم جانباً من القاموس فى مقالنا القادم إن شاء الله.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة