من أسوان إلى الإسكندرية لن تجد مؤسسة «واقفة على حيلها»

المصريون يبنون تدريجيا مؤسساتهم النقابية والسياسية بعد أن «كفروا» بالسلطة الحاكمة ومعارضيها

الخميس، 30 يوليو 2009 07:59 م
المصريون يبنون تدريجيا مؤسساتهم النقابية والسياسية بعد أن «كفروا» بالسلطة الحاكمة ومعارضيها العمال والمواطنون خلقوا تياراً سياسياً جديداً
كتب سعيد شعيب - تصوير: محسن بيومى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انظر على امتداد خريطة مصر من أسوان إلى إسكندرية، فى الأغلب الأعم لن تجد مؤسسة «واقفة على حيلها»، مؤسسات سياسية وغير سياسية، أحزاب، بما فيها الحزب الحاكم لا وجود حقيقيا لها فى الشارع، حركات سياسية لن تجدها إلا على صفحات الصحف وفى الفضائيات.

ليس هذا فقط لكن السلطة الحاكمة ومعارضيها أفسدوا وما زالوا يفسدون النقابات والجمعيات والمنظمات الحقوقية، وظفوها فى صراعات سياسية مميتة، وفى النهاية ماتت إكلينيكيا، وأصبحت ساحة حرب لم يكسبوا منها شيئا، والمنهزم فيها هم الناس، الذين يفقدون كل يوم منابرهم التى تعبر عن مصالحهم.

كلها كيانات ماتت إكلينيكيا، وحان الوقت لأن تدخل متاحف التاريخ.. ولكن فى ذات الوقت فالمصريون يبنون مؤسساتهم تدريجيا، بعيدا عن السلطة الحاكمة ومعارضيها.. ليأتى الوقت الذى يستطيعون فيه كنس كل هذا الركام المعطل لتقدم الحياة.

المصريون يمارسون كل يوم السياسة، السياسة بجد، وانتزعوا حق الإضراب والاحتجاج، أى انتزعوا حقهم فى التعبير وينتقلون الآن إلى انتزاع حريتهم فى التنظيم، أى تأسيس النقابات المستقلة.. وأظن أنهم سيمدون الخط على استقامته وسوف يصلون إلى اليوم الذى ينتزعون فيه حق تأسيس الأحزاب.. أحزاب حقيقية تعبر عن قضايا حقيقية وناس حقيقيين، وليس عن قضايا مفتعلة لسياسيين يبنون بمهارة أوهامهم.

لكن لماذا تفشل الحركات السياسية فى بلدنا؟
لأن القائمين عليها لا يبنون مؤسسات تكون قادرة على الحياة، وتكون قوانينها ولوائحها الداخلية قادرة على استقطاب الموهوبين والأكفاء، وتكون قادرة بشكل تلقائى على لفظ غير الأكفاء وغير الموهوبين.. أى كيانات أكبر من الأفراد، ومهما علت قيمتهم ليست مرهونة بوجودهم فيها. ولكنهم للأسف بنوا كيانات فردية إلا قليلا، تتمحور حوله وحول مريديه وأنصاره، ولذلك طبيعى أن تجد ظاهرة أظن أن مصر هى التى تنفرد بها، وهى أن رئيس الحزب هو نفسه رئيس مجلس إدارة الجريدة وهو نفسه رئيس تحريرها وهو كل شىء وأى شىء، ومريدوه مجرد منفذين، يدافعون عنه بالحق وبالباطل. ولذلك من الطبيعى أن تجد انشقاقات كل يوم، لأن الأفق مسدود، فتداول السلطة فى الأحزاب لا يتم إلا بالموت أو الإقالة الجبرية، ولذلك ستجد أن هناك أحزابا مثل الكرامة والوسط وغيرهما، خرجت لأن قياداتها لم يجدوا مسارا ديمقراطيا لكى يحققوا بالانتخاب طموحاتهم السياسية، وإن كنت لست متفائلا بأن الذين ذاقوا مرارة الاستبداد سيكونون ديمقراطيين ويبنون أحزابا ديمقراطية.

هذا لا ينطبق فقط على الأحزاب والقوى السياسية المعارضة، ولكنه ينطبق أيضا على حزب السلطة، فلأنه حزب السلطة، ليس هناك فرز سياسى فى الشارع يكون هو الفيصل فى الترقى، ولكنه، فى النهاية بناء فوقى، مثله مثل باقى الأحزاب التى تعارضه، ليس له جذور، فلو كانت هذه الأحزاب لها جماهير حقيقية لكانت هى العامل الحاسم، ولو كانت مؤسسات حقيقية مبنية على أسس ديمقراطية راسخة، لكان هناك إمكانية حقيقية للتغيير بناء على رغبة الجماهير، ولكنها كيانات معزولة تعشش فيها أمراض العزلة، وأمراض سيطرة الفرد الواحد ومريديه.

الخلاصة التى أريد التأكيد عليها هى أن مصر البلد الكبير والعظيم غير قادر حتى الآن على بناء مؤسسات حقيقية.. ولذلك ليس غريبا أن يتخلى المصريون عن الموجود، لا يصدقونه ولا يحترمونه ولا يريدونه.. اختاروا طريقهم الخاص، بل رفضوا أى تدخل أو سطو من جانب أى مؤسسة، سواء كانت حكومية أو معارضة، سواء كانت حزبا أو نقابة أو جمعية.
فماذا فعلوا؟

أولا انتزعوا حق الاحتجاج السلمى الديمقراطى، عبر طريق طويل، حتى أصبحت الاحتجاجات السلمية اليومية أمرا عاديا فى حياتنا، وتشارك فيه الآن أغلبية فئات المجتمع، والحكومة بأمنها وسطوتها الهائلة اعتادت الأمر، بل لم تعد تتدخل فيه، طالما أنه لا توجد أحداث شغب، ولم تعد مشغولة بتخريبه كما كانت تفعل ذلك فى أزمان سابقة. والملاحظات الأساسية على هذه الاحتجاجات، أنها تخلو من الشتائم وأهدافها واضحة، وأصحابها لديهم استعداد للتفاوض وصولا إلى نقطة توازن، وليس من مصلحتهم تحقير خصمهم أو قتله معنويا، هذا حدث مع موظفى الضرائب العقارية، توصلوا بشكل متحضر إلى اتفاق مع وزارة المالية يحقق لهم ما يريدونه، وهذا ما يحاول أن يفعله خبراء العدل وموظفو البريد والمدرسون والصيادلة والأطباء، وغيرهم وغيرهم.

وهذا مكنهم من التفكير فى الخطوة الثانية وهى تأسيس تنظيماتهم النقابية المستقلة بعيدا عن سطوة النقابات التى سيطرت عليها السلطة الحاكمة، أو تلك التى أفسدتها القوى السياسية، أى انتقلوا من انتزاع حرية التعبير إلى حرية التنظيم.. وهذا ما تحاول فعله فئات أخرى.. ففى كل النقابات تقريبا توجد أشكال موازية: صحفيون بلا حقوق، أطباء بلا حقوق، معلمون بلا حقوق.. وغيرها وغيرها.. فالتنظيمات القائمة سواء التى تسيطر عليها السلطة الحاكمة أو معارضوها، لم تعد قادرة على أن تلبى حاجاتهم.. وهذا سوف يوصلنا حتما إلى انتزاع حق التعدد النقابى، أى إلغاء الفكرة المستبدة نقابة واحدة لمهنة واحدة، وهو ما يناقض المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى وقعت عليها الدولة المصرية، وكفلت وحمت حق تأسيس النقابات والجمعيات وغيرها.

الخطوة التى تليها حتما، حتى لو أخذت سنوات وسنوات، هى أن هذه القيادات والكوادر التى خرجت من الناس، لتعبر عنهم بشكل حقيقى، ستزيد الحراك السياسى الحقيقى فى البلد، وليس المفتعل فى غرف مغلقة، أو على صفحات الصحف وفى الفضائيات.. وهنا سيصل الناس إلى ضرورة أن تكون هناك أحزاب تعبر عن مصالح فئات اجتماعية حقيقية، وليست أفكارا معلقة فى الفراغ.

ومن الآن حتى يحدث ذلك، ستختفى إلى الأبد جمعيات وأحزاب ونقابات، إلا إذا انتبه القائمون عليها وبنوا مؤسسات سياسية واقتصادية وغيرها، قادرة على النمو، وقادرة على التطور والتعبير ليس عن رئيسها الفرد الأوحد.. ولكن عن احتياجات الناس الحقيقية.. وإذا لم يفعلوا فسيذهبون حتما إلى المكان الذى يليق بهم، وهو متاحف التاريخ.

لمعلوماتك...
1993 تأسس حزب العدالة الاجتماعية وكيل المؤسسين محمد عبدالعال





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة