◄◄6 وظائف رئيسية للحزب السياسى لا تنفذ الأحزاب المصرية منها سوى واحدة.. دعم شرعية النظام
◄◄ الوظيفة الأولى لأى حزب سياسى السعى نحو السلطة ومع ذلك يؤكد كل رؤساء الأحزاب أنهم لا يفكرون فيها
الحكاية وما فيها أن من ولد ضعيفا سيظل كذلك، لن تفلح الفيتامينات ولا الأنظمة الغذائية فى منحه القوة طالما كانت هذه الأغذية نفسها نتاج مبيدات مسرطنة، وخليط من الأسمدة لم يعرف الإخلاص طريقا لقلب من صنعها.
الحكاية وما فيها أن صناعة مستقبل أمة بناء على قرار مزاجى لشخص ما، تعنى ببساطة أن هذا المستقبل مهما مرت عليه السنوات سيظل خاضعا لعامل المزاج الشخصى مهما تغيرت الشخوص والأسماء، ربما لأن تجارب التاريخ علمتنا أن منح الحاكم للشعب ليست على نفس القدر من المتانة والقوة لما ينتزعه أو يكتسبه الشعب من الحاكم بقوة المنطق أو القانون.. أو حتى الذراع، الأولى هبة يمنحها الحاكم لغرض فى نفسه وتظل خيوطها بيده يتلاعب بها لصالحه وصالح نظامه، ويطوعها مع مرور الزمن لخدمة متطلباته ومواكبة تطورات العصر وما يستجد فى أمور الحكم والتحكم فى الشعوب، والثانية نتاج إرادة شعبية قابلة للتطور لمواجهة ما يقع على عاتق الناس من أعباء، ولا تشيخ أبدا مهما مر عليها من سنوات.. أو أزمات. الأحزاب السياسية فى مصر تخضع للمنطق السابق.. خلقها المزاج الشخصى للرئيس الراحل أنور السادات على هيئة هبة منحها للشعب استكمالا لواجهة سياسية أراد أن يخاطب بها الغرب، فظلت هكذا رغم مرور 33 سنة على ظهورها، يطحن فيها الزمن، وتسوقها الرغبات، وتدمرها النزاعات الشخصية، وتهبط يد الدولة الثقيلة على أى حزب يفكر ولو للحظة فى أن ينحرف عن المسار لممارسة اللعبة السياسية بجد.. أو تمتد لتمسح التراب عن حزب أو حزبين وتدفعهما للساحة السياسية بعد شىء من التطوير فى محاولة للتغطية على حالة «البواخة» التى تملأ البلد بسبب سيطرة الحزب الوطنى منفردا على الأمور أو قطع الطريق أمام العيون الدولية التى تمل من المطالبة بالمزيد من الإصلاح السياسى والديمقراطى بشكل يشبه هذه التحركات الأخيرة للدولة التى أرادت من ورائها دفع حزبى الوفد والناصرى إلى الساحة السياسية مرة أخرى للعب دور المنافس للحزب فى محاولة لقطع الطريق على الإخوان المسلمين أو أى تيار آخر قادم من خارج عباءة السلطة.
كان طبيعيا أن تكون نتيجة هذه المعادلة بعد 33 سنة من بدايتها على يد الرئيس السادات..24 مقرا متهالكا وآيلا للسقوط كما وكفيا -باستثناء مقر الحزب الوطنى المتماسك معماريا على الأقل.. 33 سنة أحزابا والنتيجة يمكنك أن تدرك مدى بشاعتها إن حاولت وطلبت من رجل شارع عادى أن يعد على أصابع يده العشرة أسماء لأحزاب موجودة على الساحة السياسية. 33 سنة أحزابا.. كانت تمر السنة فيها وراء الأخرى ليحتفل الناس بوفاة حزب خلف الآخر بدلا من الاحتفال بعيد ميلاد التعددية الحزبية.. 33 سنة عاشتها مصر فى حضن التجربة الحزبية والناتج النهائى.. أحزاب تبايع الرئيس بدلا من منافسته، وصراعات وخناقات على كرسى رئاسة الحزب بدلا من السعى لتنفيذ الوظيفة الأولى لأى حزب سياسى فى الدنيا.. السعى نحو السلطة.
كل ذلك لأن البداية كانت خاطئة .. والبداية الخاطئة دائما ما تنتهى بناتج لا يتعدى بأى حال من الأحوال صفرا، وفى عام 1976 جاءت بداية التجربة الحزبية المصرية الثانية بهذا الشكل وتحديدا فى يناير من هذا العام حينما شكل الرئيس السادات لجنة لمناقشة مستقبل العمل السياسى فى مصر لدراسة فكرة إنشاء منابر سياسية متعددة ومن بين 168 عضوا، وبعد 16 اجتماعا متتاليا، صوت 8 أعضاء فقط فى اتجاه إقامة أحزاب سياسية على اعتبار أنها الصيغة الأمثل لإقامة حياة ديمقراطية سليمة وعلى هذا الأساس رفض السادات التعددية الحزبية بحجة أنه لن يسمح بتفكيك المجتمع، هكذا فشلت النطفة الأولى فى خلق جنين حزبى يسهم فى الحياة السياسية المصرية، وجاء الفشل معبرا عن توجهات النخبة الحاكمة.
ثم عاد الرئيس الراحل وفاجأ الجميع وقرر إقامة منابر سياسية داخل الاتحاد الاشتراكى، ووقتها وصل عدد المتقدمين لتأسيس منابر سياسية إلى أربعين طلبا، ولكن الرئيس كان له رأى آخر فى مارس 76 حيث أصدر قراره بتشكيل ثلاثة منابر تمثل ثلاثة اتجاهات سياسية، اليمين للأحرار الاشتراكيين والوسط تنظيم مصر العربى الاشتراكى، واليسار لتنظيم التجمع الوطنى التقدمى واختار السادات بنفسه رؤساء المنابر.. أى أن الأمر كله كان خاضعا لرغبة رئيس الجمهورية الذى انفرد باختيار معارضيه فى سابقة سياسية وتاريخية لم يسجلها أحد من قبله، ويبدو أن الرئيس السادات اطمأن كثيرا لفكرة التعددية على اعتبار أنها لن تزعجه طالما كانت خيوط اللعبة فى يده، ثم أكمل مفاجأته وقرر فى نوفمبر من نفس العام تحويل التنظيمات الثلاثة إلى أحزاب سياسية وصدر قانون الأحزاب، واستكمل الرئيس انفراداته السياسية، حينما قام وبنفسه بتأسيس حزب العمل وأمر أكثر من 20 عضوا برلمانيا بالانتقال من حزب مصر العربى الاشتراكى إلى حزب العمل حتى يكتمل نصاب تأسيسه واختار إبراهيم شكرى ليكون رئيسا له، وكان واضحا أن التجربة الحزبية تمر بمخالفات دستورية فادحة وأن ناتج ما يضربه السادات فى خلاط أفكاره وقراراته سيأتى مشوها. وقد شهد على هذه التجاوزات الكاتب الكبير أحمد بهاءالدين- كما ورد فى كتابه محاوراتى مع السادات- الذى دخل فى معركة مع السادات لإقناعه بالاحتكام إلى نصوص الدستور المصرى لأن الدستور المصرى لا توجد به نصوص تبيح تأسيس الأحزاب السياسية ولم يفعل السادات ذلك وظل يقود عملية ولادة التجربة الحزبية بنفسه رغم تعارض ظهورها مع الدستور، والغريب أن القوى السياسية التى كانت موجودة على الساحة لم تعترض على عملية مخالفة القانون وإخصاء الدستور، فالإخوان اعتبروها فرصة لإزالة آثار النظام الناصرى، والجماعات الشيوعية كانت على استعداد لتأييد أى فكرة تسمح بظهورهم على الساحة فى مرحلة قادمة، وهو الرهان الذى خسروه، أما ما تبقى من الناصريين فلم تكن لديهم قوة الاعتراض على السادات.
أتم السادات بناء ما أراده على أسس هشة لا تسمح بظهور مخالب لتعارضه وقت اللزوم، لدرجة أنه قام بتحديد الفلك الذى تدور فيه برامج الأحزاب، كما شكل لجنة من ضمن أعضائها وزير الداخلية، للموافقة على الأحزاب دون معايير واضحة، ولم تتوقف قرارات السادات المقيدة للتعددية الحزبية عند هذا الحد، فبعد أحداث يناير حظرت لجنة الأحزاب إعادة تكوين الأحزاب التى كانت موجودة قبل الثورة باستثناء الحزب الوطنى والحزب الاشتراكى، وكذلك حظرت تأسيس أى حزب سياسى تتعارض مقوماته وأهدافه وسياساته مع الشريعة الإسلامية، ذلك المفهوم المطاط الذى تستخدمه الحكومة للإطاحة بمن تريد أن تطيح به، وحظر أيضا قيام أحزاب ذات توجه شيوعى أو قومى أو دينى.. باختصار تم إجهاض الحركة الحزبية قبل أن تولد، فكما يؤكد الدكتور عمرو الشبكى الخبير بمركز الأهرام الاستراتيجى أن الأساس الذى قامت عليه التجربة الحزبية فى مصر لا يسمح لها بأن تكون أحزابا فاعلة، خصوصا أن نفس الظروف التى ولدت فيها الأحزاب مازالت موجودة حتى الآن وأولها رضا النظام، فمعظم الأحزاب الموجودة على الساحة تصدر بقرار إدارى يمكنك أن تعتبره نوعا من الرضا الحكومى، فكيف يمكن لحزب يسعى لنيل رضا الحكومة أن يقوم بمعارضتها؟.
الأحزاب فى مصر مجرد شركات -هكذا يرى الشوبكى فى ورقة بحثية جاءت ضمن حلقة نقاشية نظمتها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان- وهذا جعل شعار التعددية الحزبية الذى نردده على مدار السنوات الماضية شعارا لا معنى له، فالرخصة القانونية التى تمنحها لجنة شئون الأحزاب لا يمكن أبدا أن تعبر عن الشعبية.
القضية إذن ليست قضية غياب التعددية الحزبية، بل هى غياب الحياة السياسية كلها واحتكار حزب واحد للسلطة وغياب الناس عن المشاركة الطبيعية فى الحياة السياسية، فى الانتخابات التى جرت حتى عام 2000 لم يدل بصوته إلا أقل من 25 % من الناخبين المقيدين، وهذا يعنى أن 75 % من الناس لم يذهبوا لممارسة حقهم الانتخابى، وبالتالى لا يمكن أن ننتظر من مواطن لا يدلى بصوته مرة كل خمس سنين أن ينضم لحزب ويمارس عملا سياسيا.
وبعيدا عن كلام الخبراء الذى حمل الدولة وحدها عبء فشل التجربة الحزبية، يبقى الجانب الأكبر من فشل هذه الأحزاب وضعفها بيد المسئولين عن الأحزاب نفسها، فيكفى أن تعرف أن العلوم السياسية قد حددت للحزب السياسى 6 وظائف أساسية، لا تجد حزبا واحدا فى مصر قادرا على تنفيذ اثنين أو ثلاتة منها، ففى دراسته التى أعدها بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أشار عصام الدين حسن إلى أنه على مدار 33 سنة لم يتم ضبط أى حزب فى شهر من شهورها أو فى يوم من أيامها متلبسا بأداء الوظائف التى أشار العرف والعلم إلى ضرورة قيام الحزب السياسى بها، وإذا كان انفراد النظام الحالى بالحكم سببا فى شطب الوظيفة الأولى للحزب السياسى المعروفة بعملية تداول السلطة، فهناك أكثر من وظيفة رئيسية للحزب السياسى فى أى مكان فى الدنيا حتى لو كان داخل فصل ابتدائى تتجاهلها الأحزاب الثلاثة والعشرون.. إذا اعتبرنا أن الحزب الوطنى صاحب وضع مميز وله ديسك خاص داخل مكتب السيد مدير المدرسة.
أول هذه الوظائف على سبيل المثال الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، بمعنى حق أى حزب مصرى فى مساءلة أى جهة تنفيذية فى الدولة عما تفعله، قد يفعل بعض نواب الأحزاب ذلك داخل البرلمان، حينما يقدم أحدهم استجوابا أو طلب إحاطة لوزير من الوزراء، ولكن ذلك غير كاف لأنه لا جهة حكومية تنفيذية عوقبت أو حوسبت بسبب استجواب من نائب معارض والحقيقة التى تحدث فى مصر أنه لا يوجد حزب قادر على مساءلة جهة تنفيذية إلا فى بيان استنكارى أو فى موضوع صحفى فى صفحة من صفحات جريدة الحزب.
للأحزاب السياسية أيضا وظيفة تنموية غرضها إنعاش الحياة السياسية ولكن مايحدث أنه منذ 33 سنة ومع وجود 24 حزبا فى مصر مازالت الحياة السياسية فى مصر فى حالة موات لا تنفع معها صدمات كهربائية وعمليات تنفس صناعى، والغريب أن محاولات إنعاش الحياة السياسية لا تأتى من جانب الأحزاب بل تأتى غالبا من جانب تنظيمات أخرى وجماعات ضغط مثل حركة كفاية وجمعيات حقوق الإنسان والإخوان المسلمين، ففى مصر أحزاب عمرها ما نظمت مسيرة مثل حزب الخضر والوفاق القومى والعدالة وشباب مصر ومصر 2000 والتكافل والسلام والاتحادى، باستثناء المظاهرات الخاصة بالصراع على كرسى الحزب.
الوظيفة الوحيدة التى برعت الأحزاب المصرية جميعا فى أدائها هى وظيفة دعم الشرعية التى تعنى أن وجود الحزب السياسى فى إطار تعددى يمنح شرعية للنظام الديمقراطى بمشاركته فى الحكم، وطبعا أنت لست فى حاجة إلى دليل يؤكد لك مدى تفانى أحزابنا العريقة فى أداء تلك الوظيفة.
أما وظيفة التعبئة التى تقول بقدرة أى حزب سياسى على تعبئة جمهور ومناصرين وقت الحاجة فتلك مشكلة المشاكل فحتى الأحزاب الكبيرة الوفد والتجمع والناصرى يوم تفعل ذلك تتخطى الألف بالعافية وبعد مداولات ومشاورات مجهدة، أما بقية الأحزاب فهى أبعد حتى عن تعبئة الهيكل الإدارى الذى يقودها، أما الحزب الوطنى فهو يقوم بالتعبئة عن طريق إجبار الموظفين على الحضور عبر أتوبيسات الشركات الحكومية مع هدية عشرين جنيها وممكن شورت وفانلة هدية.
لمعلوماتك...
◄1992 تأسس حزب العربى الديمقراطى الناصرى ورئيسه الحالى ضياء الدين داود
◄ 1946 أصبح فؤاد سراج الدين عضواً فى حزب الوفد ، ثم سكرتيراً عاما للحزب 1948، واختير وزيراً للداخلية والمالية معاً سنة 1950، ثم رئيساً لحزب الوفد الجديد سنة 1978
8 فقط من ضمن 168 وافقوا على وجودها.. والسادات اختار رؤساءها وحدد لهم طريقة معارضة الحكم منذ 33 سنة وحتى الآن
الأحزاب.. صفر كبير على شمال الحياة السياسية فى مصر!
الخميس، 30 يوليو 2009 07:59 م
الأصوات تدخل للصناديق الشفافة بشكل وتخرج منها بشكل تانى