يرى الدكتور غالى شكرى فى كتابه «الثورة المضادة» أن غياب الديمقراطية وعدم الثقة فى الجماهير هو الذى قاد التجربة الناصرية إلى الحل الوسط التوفيقى للمتناقضات، وكرست النص على دين الدولة الرسمى، والنتيجة أن نُفذت القوانين التى تساوى المواطنين فى الخطوط العامة, كتوزيع الأراضى وحق العمل، ولكن ما لا يندرج تحت بنود ولوائح ومواد القانون كان يخضع للعرف السائد قبل الثورة... مثل تعيين وزير مسيحى وعشرة نواب فى البرلمان، وكأن الدولة غير الديمقراطية تتفضل على إحدى الطوائف بما لم يسمح به مجتمع الأغلبية، رغم أنها لم تعط للمجتمع الفرصة الحقيقية لإبداء رأيه، فربما لا يأتى بنائب واحد مسيحى وربما يأتى بخمسين، ولربما لم يكن واحد مسيحى يصلح للوزارة، ولكن التعيين كان أداة الديكتاتورية فى ترسيخ الطائفية، خاصة أن الوزارات التى أمسك بها المسيحيون الأقباط طوال عهده كانت وزارات هامشية.
وأشعر التعيين قطاعات من المسيحيين بأنهم أقلية، وكان غيابهم عن كثير من المناصب الرئيسية فى أجهزة الدولة رغم ما يراه البعض من كفاءات فى صفوفهم أدى بهم إلى الاعتقاد بأن الدولة لا تنصفهم كأقلية ولا كمواطنين. وهو الشعور الذى أدى فى مواجهة الدولة والإخوان المسلمين إلى ظهور الحالات المستجدة تماماً على تاريخهم.. كجماعة الأمة القبطية، التى اختطفت البابا يوساب.. بالإضافة إلى الأعداد الهائلة من الشباب المسيحى المصرى الذى هاجر إلى «الجيتو» الأمريكى والأسترالى والكندى، أو شباب الجامعات الذى دخل فى سلك الكهنوت أفواجاً، فأصبحوا قساوسة ورهباناً وأساقفة، ومنهم البابا شنودة نفسه.
كما اتجه عبدالناصر للتعامل مع المؤسسات الدينية - كمؤسسات تعبئة جماهيرية - وتم هذا التقارب على المستويات العليا فقط لهذا نرى أنه شكلت علاقة مميزة بين الرئيس عبدالناصر والبابا كيرلس السادس علامة فريدة وهذا ما تم مع الأزهر لمواجهة العدوان الثلاثى أو تأييد الإصلاح الزراعى وتأميم القناة والقرارات الاشتراكية. ويرى غالى شكرى أن هذا أضعف الدور العلمانى القيادى فى الكنيسة لاستيلاء الدولة على جميع أراضى الكنيسة وممتلكاتها والمدارس القبطية والمستشفيات.. إلخ واقتصرت إيراداتها على التبرعات من أفراد المجتمع لدرجة أنه عندما أرادت الكنيسة بناء كاتدرائية المرقصية الكبرى بالعباسية اعتمدت على تبرع من هيلاسيلاسى إمبراطور أثيوبيا وآخر من جمال عبدالناصر رئيس مصر وكانت الفرصة مواتية لقيادة رجال الإكليروس الكنيسة واضمحلال دور العلمانيين.