فى حواره الممتع والشيق جدا حكى لنا مؤخرا الخال عبد الرحمن الأبنودى مع الإعلامى يوسف معاطى، عن تلك الأيام الجميلة التى فجرت لديه الموهبة الشعرية كالأنهار المتدفقة ويأخذنا معه إلى الصعيد الجوانى، حيث الساقية والنورج (آلة درس المحاصيل قديما)، وعن تلك العلاقة الحميمية التى كانت بينه وبين رفيق دربه أمل دنقل.. يحدثنا عن قسوة تلك الأيام ومرارتها، ولكن رغم تلك المعاناة إلا أنها أيام حلوة وبسيطة فجرت عنده الطاقة الشعرية وعلمته معنى الحياة.
وعن تجربته فى المعتقل يقول أيضا إنها صقلته وأعطت له خبرة فى الحياة كبيرة، وكيف كان يكتب الشعر على جدران السجن (كم هو مر طعم السجن من أجل البحث عن الحرية، حرية البلد وحرية الفكرة).
أما عن تجربته أثناء بناء السد العالى وجوابات حراجى القط، فتحدث فيها عن هؤلاء العمال الفقراء الذين يعملون ليلا ونهارا من أجل مشروع نبيل وقومى لبناء مصر الجميع ملتف حول هذا المشروع (قلنا هنبنى وادى أحنا بنينا السد العالى)، فيقول الخال إن مصر وقتها كانت فى أسوان أى أن الجميع تتجه أنظارهم إلى أسوان لمتابعة هذا الحدث الفريد، كذلك فترة الحرب مع إسرائيل مصر كانت فى مدن القناة وسيناء، فالكل تتجه أنظاره هناك على الجبهة، الجميع كتاب مطربون جنود، الكل بلا استثناء ملتف حول قضية واحدة..
لديك حق يا خال مصر كل فترة تلتف حول حدث ما.. بعد هذه المقدمة الطويلة مع الخال يراودنى سؤال هام وملح (أين مصر الآن) أين تتجه أنظارنا ما هو المشروع القومى الملتفين حوله.. لكنى للأسف الشديد أفيق على إجابة محزنه جدا أن مصر الآن ليست متجهة إلى مكان محدد، فمصر الآن المنتخب الوطنى وإنجازاته الكروية واللعب بالأعصاب. مصر مطربات الفيديو كليب والعرى المبتذل والفضائيات الساذجة. مصر برامج التوك شو المنتشرة فى كل صوب وحدب.. مصر أنفلونزا الخنازير والطيور والرعب الشديد منها.. مصر أوباما وزيارته التاريخية.. المعتقلات التى تمتلئ بالأبرياء الذين قالوا لا فى وجه من قالوا نعم.. مصر التحرشات الجنسية فى كل مكان.. مصر العاطلين على المقاهى.. مصر القنوات الفضائية الدينية المتضاربة فى كل شىء والفتاوى الغريبة والتى ليس لها غرض سوى التجارة فقط .. مصر ستار أكادمى والتفاهات والغوغائية.. مصر التحرر من كل شىء بدعوى الحرية.. مصر التعديلات الدستورية غير المفهومه قبل التعديل أو بعده أصلا.. مصر سينما العنف والسنج والمطاوى والعشوائيات والأحضان والقبلات الرخيصة تحت دعوى الفن فى مجتمع مكبوت أصلا.. مصر الديكتاتورية والقمع.. مصر أتوبيسات النقل العام التى لا تصلح لأى بنى آدم حقيقى.. مصر رجال الأعمال والبذخ واللهث وراء مطربات الدرجة العاشرة إما بالقتل أو بالزواج .. مصر المعارضة غير الصادقة بل الشىء الوحيد اتفقنا عليه هو ألا نتفق.. مصر الأحزاب المتضاربة مع بعضها البعض.. مصر الإضرابات الكثيرة التى تملأ الشوارع..
مصر صحف المعارضة التى تعارض بعضها البعض قبل معارضة النظام.. مصر 9 ملايين عانس (حسب آخر إحصائيات) بالإضافة إلى الشباب الذى لا يستطيع أن يفتح بيتا أساسا (يفتح بيت إزاى وهو مش معاه شغل) مصر قلة الحيلة والخنوع والسطحية فى كل شىء والتفريط فى الحقوق إلى أن أصبح حقنا هبة ننتظرها من أسافل القوم..
مصر التربص الشديد بين الرجال والنساء كالقط والفأر (لا تصدق كلام المثقفين ولا الأحزاب ولا المجالس القومية عن حق المرأة أو غيره فهذا الكلام مدفوع التمن أساسا ويهتم فقط بنساء أندية الروتريهات فقط ولا يهتم بالنساء الفقيرة) مصر الموظفين المؤقتين الذين تنتهك كرامتهم وهم صامتون من أجل التعيين عل وعسى يحدث.. مصر التعليم غير التعليمى وحقل التجارب الذى يتم تطبيقه على الطلبة وأنظمة الثانوية العامة المختلفة وكوادر الذل للمدرسين .. مصر الطوابير الكثرية طابور ..............و.........و....
لدرجة أننا نحلم بالطوابير.. مصر مجلس الشعب وأعضاؤه وخناقاتهم المستمرة (اللعوب والعاهرة) مصر لغة الأقدام التى داست لغة الأقلام للأسف الشديد.. ولغة الرقص التى دحرت لغة الرأس.. مصر العقول العبقرية والمخترعين الذين تتجاهلهم الحكومة.. مصر الأمراض الكثيرة التى تنهش فى جسد الشعب الفقير أصلا.. مصر الواسطة والمحسوبية فى كل شىء حتى أحلامك لو ملكت الواسطة لحلمت على قدر هذه الواسطة التى تمتلكها.. مصر القيم والمبادئ التى تباع من أجل كرسى عقيم.. مصر القمح الفاسد والمبيدات المسرطنة مصر صفر المونديال.. مصر قطار الصعيد المحترق.. وحريق قصر ثقافة بنى سويف.. مصر العبارة السلام 98 .. مصر ممدوح إسماعيل و....و..... و......... ممن ينهشون فى لحمنا دون أى رحمة لا يرحمون حتى مرضنا... مصر الأبرياء الذين طمسوا تحت صخور الدويقة.. مصر ملايين الفقراء الذين ينامون فى العراء.. مصر الخصخصة وبيع أصول الشعب وبيع الأصول عموما.. مصر سيطرة رأس المال على كل شىء .. مصر إمبراطور الحديد.. مصر مصر المثقفين الذين يبيعون مبادئهم ويدخلون الحظيرة من أجل حفنة جنيهات.. مصر الطبقة الوسطى التى اختفت ولم يعد لها وجود.. مصر الشحاذين الذين يملئون جميع الشوارع حتى أصبحنا جميعا شحاذين ننتظر معونات الغير.. مصر الإقطاعيين الجدد وسيطرة أسافل القوم على مجريات الأمور وتوليهم أمورنا.. فحتى متى يا مصرنا.. حتى متى؟
لذا لا نعلم أين مصر الآن ولا إلى أين تتجه!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة