بعد مضى أكثر من 19 عاما على غزو قوات صدام حسين الكويت، وبعد مرور أقل من 18 عاما على قيام التحالف الأمريكى بتحريرها، لا تزال الدولة فاحشة الثراء تطالب بغداد بدفع التعويضات كما لو كان ديكتاتور العراق لا يزال حياً.
بهذه الكلمات استهل الكاتب البريطانى الشهير روبرت فيسك مقاله على صفحات جريدة الإندبندنت البريطانية، الذى يتحدث عن تشبث الكويت بتقاضى الديون المستحقة لها من العراق. ويقول الكاتب إن الكويت اتهمت العراقيين خلال هذا الأسبوع بالنزوح إلى حدودها، فى الوقت الذى تصر فيه على أن يدفع العراق نسبة 5% من إيرادات النفط فى صورة تعويض عن الغزو.
وطالب سفير العراق لدى الأمم المتحدة، حامد البياتى بالتخفيض الفورى لهذه النسبة نظراً لسقوط نظام صدام حسين منذ ستة أعوام. ويلفت فيسك إلى أن العراق دفع حتى إبريل الماضى 27.1 مليار دولار كتعويض ولكنه مازال مدينا للكويت وحدها بمبلغ 24 مليار دولار، وهو ما يشكل "حملا ثقيلا على عاتق العراق، الذى يحتاج الأموال لإعادة تعميره وتنميته" كما يقول البياتى. وقد أخبر رئيس الحكومة العراقية، نورى المالكى، الأمم المتحدة أن التعويضات يجب أن يتم تخفيضها لأن العراق الحديث بات لا يشكل أى تهديد يذكر سواء على الكويت أو غيرها من الدول. ولكن الكويت لم يعيره أذناً صاغية.
ويرى الكاتب أن الكويت أصبحت الآن أكثر شراسة وجشعاً فى مطالبة سداد مستحقاتها، مما كانت عليه قبل الغزو العراقى فى 2 أغسطس عام 1990، فهى لا تطالب بتعويضها عن الخسائر التى تكبدتها أثناء الغزو فحسب، وإنما تطالب العراق بسداد دين يقدر بـ 16 مليار دولار اقترضت لتمويل الحرب مع إيران فى ثمانينيات القرن الماضى. لا عجب إذن، على حد قول فيسك، أن يفكر العراق المسكين، والذى تقلصت إيرادات النفط الخاصة به من 7 مليارات دولار العام الماضى، إلى 2 مليار دولار فى مايو الماضى، فى طلب قرض قيمته 7 مليارات دولار من صندوق النقد الدولى.
ومن ناحية أخرى، يرى فيسك أن الحكومة العراقية والتى يهيمن عليها الطابع الشيعى لديها أسبابها لتشعر بالغضب والظلم، فالشيعة عانوا تحت حكم صدام حسين أكثر مما عانى الكويتيون. ويقارن هنا فيسك بين هذا الموقف وبين ما واجهته ألمانيا لسداد تعويضات كبيرة عام 1919. ويشير فيسك إلى أن عددا من الدول أسقطت ديوناً لها على العراق تلبية للضغوط الأمريكية المعتادة ومنها الإمارات العربية المتحدة، التى كان يدين لها العراق بـ7مليارات دولار.
ويتساءل فيسك: هل هذا هو البخل الكويتى المعهود؟ إمارة تقطر نفطا بمتوسط دخل للفرد فيه يبلغ 41 ألف دولار تسحق دولة متوسط دخل الفرد فيها لا يتجاوز 4 آلاف دولار؟ لا ، يجيب فيسك على لسان أحد خبراء النفط فى الشرق الأوسط "فالأمر يتعدى ذلك". ويضيف الخبير مع نفاد صبر ـ كما يقول فيسك ـ "لقد عرف عن الكويتيين البخل، لكنى أعتقد أن الأمر يتعدى ذلك، فالكويت من الدول المؤسسة للصندوق الخليجى للتنمية، كما أنها أنفقت فى الستينات والسبعينات والثمانينات عن سعة على الفلسطينيين واللبنانيين، ثم خذلهم الفلسطينيون بالوقوف إلى صف صدام فى غزو عام 1990".
ويرى الخبير أن السر يكمن فى التركيبة العرقية لسكان الدولتين، فنحو 40% تقريبا من الكويتيين الآن هم شيعة لا سنة، وهم يستثمرون بقوة فى جنوبى العراق، وأصبح شيعة الكويت "بصراويين" والعكس بالعكس، ويزداد بكثرة عدد أبناء الشيعة من جنوبى العراق الذين يصبحون رجال أعمال ويشتغلون بالتجارة مع الكويت، وهذا يسبب تداخلا للحدود بين البلدين، وشعورا بأن اقتصادى البلدين متشابكان، ولا عجب إذن أن يصر الكويتيون على التمسك بحرفية القانون.
غير أن فيسك يرى أن هناك سوابق فى التاريخ غير مستحبة أمام الكويتيين، فالديون الساحقة التى فرضتها اتفاقية فرساى على ألمانيا درس كاف، إذ كانت خسائر ألمانيا (فى الحرب العالمية الأولى) غنائم لهتلر وظهرت قوته بعد ذلك، وربما يستخلص الكويتيون بعض العبر من التاريخ، ويتأملون ما الذى سيصبح عليه العراق فى المستقبل ـ ومن سيكون زعيمه، بعد عشرين عاما.
فيسك: لماذا لا تسقط الكويت "البخيلة" ديون العراق "المسكين"
الأربعاء، 29 يوليو 2009 03:07 م
روبرت فيسك يتساءل فى مقاله عن أسباب عدم إسقاط الديون العراقية للكويت
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة