أكثر شىء يثير حيرتى فى العلاقات المصرية الإسرائيلية المرتبطين بمعاهدة سلام؛ احتفل البلدان مؤخراً بمرور ثلاثين عاماً على توقيعها، أن مصر تعتبر أن هذه العلاقات ولو فى شقها الرسمى والعلنى سراً عسكرياً لا يمكن الاقتراب منها، ولا يتم الإعلان عن تفصيلاتها إطلاقا تحت أى بند من البنود، حتى بعد أن تجرى اللقاءات بين مسئولى البلدين ويتم تسريب التفصيلات، وهو موقف مخالف تماماً للسياسة الإسرائيلية تجاه هذه العلاقة، فإسرائيل نراها دائماً عبر إعلامها سباقة فى كشف تفصيلات العلاقات المصرية الإسرائيلية وما يدور فى اللقاءات الثنائية من تفصيلات دقيقة.
حيرتى هذه ازدادت عقب إعلان عدد من الصحف والمواقع العبرية عن نية رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتانياهو حضور الاحتفال الذى أقامه سفير مصر فى تل أبيب ياسر رضا مساء الخميس الماضى احتفالاً بثورة يوليو، فرغم أن إسرائيل أعلنت رسمياً مشاركة نتانياهو فى الاحتفال بناء على دعوة وجهها له السفير المصرى، إلا أن القاهرة ظلت آذانها مغلقة أمام كل من يسألها عن هذه المشاركة، حتى بعد أن شارك نتانياهو بالفعل فى الاحتفال، وشارك ياسر رضا فى تقطيع التورتة التى اكتست بالعلم المصرى، تعامل الإعلام الرسمى المصرى مع هذه المشاركة بطريقة اللامبالاة.
تذكرت واقعة سردتها على أذنى المحررة الدبلوماسية القديرة الأستاذة سونيا دبوس ومفادها أن إسرائيل أعلنت عن زيارة لوزير خارجيتها للقاهرة، وعندما اتجهت إلى الدكتور عصمت عبد المجيد وزير الخارجية المصرى آنذاك لتسأله عن هذا الخبر، فكان رد عبد المجيد المتتالى "خليهم يقولوا"، إلى أن فؤجئوا بوجود وزير خارجية إسرائيل بالقاهرة فعلاً .
دبلوماسى مصرى سبق أن سألته لماذا تتعامل مصر بهذه الطريقة فى علاقتها مع تل أبيب، لدرجة أن إسرائيل تكون أول من يعلن عن زيارات مسئوليها إلى القاهرة أو زيارات المسئولين المصريين إليها، فقال لى إن إسرائيل تتباهى بمثل هذه الأخبار، بينما نتعامل معها فى القاهرة بنفس المنطق الذى نتعامل به مع غيرها من الزيارات المتبادلة مع الدول الأخرى.
رد الدبلوماسى المصرى أزال بعض الحيرة من تفكيرى لكن تظل الحيرة الكبرى لماذا دائماً الإعلام الإسرائيلى سباقاً فى الكشف عن تفصيلات كل ما يدور بين تل أبيب والقاهرة، هل لأن الإسرائيليين لديهم إدراك بقيمة الإعلام ودوره فى توجيه الرأى العام، وهو دور ما زالت القاهرة تفتقده، أم لأن آفاق العمل أمام الإعلام العبرى مفتوحة، بحيث لا توجد قيود تعيق عمل الصحفى حتى وإن كان ميدان العمل متعلقا بسيادة الدولة، أعتقد أن الأمرين هما الأقرب للصواب، بدليل أن كل قضايا الفساد التى أزاحت وزراء ورؤساء وزراء ورؤساء أيضاً عن كراسى الحكم تم الكشف عنها فى الصحافة العبرية أولاً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة