ذكر ابن كثير فى كتابه "البداية والنهاية"، الجزء الثانى، الصفحة 274، فى باب "ما كان يشتغل به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوج خديجة"، ونقل عنه سيد القمنى بالنص فى كتابه "الحزب الهاشمى"، ما يلى:
".. أن عمارا بن ياسر كان إذا سمع ما يتحدث به الناس عن تزويج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خديجة، وما يكثرون فيه، يقول: أنا أعلم الناس بتزويجه إياها، إنى كنت له ترباً، وكنت له إلفاً وخدناً، وإنى خرجت مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذات يوم، حتى إذا كنا بالحزورة، أجزنا على أخت خديجة وهى جالسة على أدم تبيعها، فنادتنى، فانصرفت إليها، ووقف لى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقالت: أما من صاحبك هذا فى تزويج خديجة؟ قال عمار: فرجعت إليه فأخبرته، فقال: بلى لعمرى، فذكرت لها قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): فقالت: اغدوا علينا إذا أصبحنا، فغدونا عليهم، فوجدناهم قد ذبحوا بقرة، وألبسوا أبا خديجة حلة وصفرت لحيته (أى صبغت بالحناء)، وكلمت أخاها، فكلم أباه وقد سقى خمراً، فذكر له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومكانه، وسأله أن يزوجه، فزوجه خديجة، وصنعوا من البقرة طعاماً فأكلنا منه، ونام أبوها، ثم أستيقظ صاحياً فقال ما هذه الحلة؟ وما هذه الصفرة؟ وهذا الطعام؟ فقالت له ابنته التى كانت قد كلمت عمار بن ياسر: هذه حلة كساكها محمد بن عبد الله ختنك، وبقرة أهداها لك فذبحناها حين زوجته خديجة، فأنكر أن يكون زوجه، وخرج يصبح حتى جاء الحجر، وخرج بنو هاشم برسول الله (صلى الله عليه وسلم) فكلموه، فقال: أين صاحبكم الذى تزعمون أنى زوجته خديجة؟ فبرز له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فلما نظر إليه قال: إن كنت زوجته فسبيل ذاك، وإن لم أكن فعلت فقد زوجته".
ولم ينقل الأستاذ ممدوح إسماعيل عن هذا النص الأصلى، الذى ورد بمتن كتاب القمنى، ولكنه "ابتدع نصه"، بما فهمه هو من المتن السابق، كما يلى:
وفى جزء آخر يقول: (إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] قد وفَّر لنفسه الأمان المالى بزواجه من الأرملة خديجة [رضى الله عنها]، بعد أن خدع والدها وغيَّبه عن الوعى بأن أسقاه الخمر)، تشكيك واتهام للنبى محمد، صلى الله عليه وسلم، بالباطل بكل وضوح.
ومن يقرأ هذا النص من قبل السيد ممدوح إسماعيل وغيره من النصوص، لابد أنه سيُصاب بالغثيان من القمنى، لو أنه كتب ما كتب، ولكن يظهر أن من أراد أن يتهمه السيد ممدوح إسماعيل بالإساءة إلى الإسلام (فى هذا المثال تحديداً دون غيره)، لم يكن القمنى ولكن كلُ من ابن كثير ناقل القصة إلينا فى كتابه "الشهير" "البداية والنهاية"، (والذى يبدو جلياً، أن السيد ممدوح إسماعيل لم يطلع على صفحاته قط)، والصحابى الجليل عمار بن ياسر، راوى القصة عما رأى من بعض سيرة الرسول صلوات الله عليه وسلم. وهو بذلك، ووفقاً لما اتهم به شيعة مصر، يزدرى الصحابة ضمنياً ويسىء للإسلام علناً، ولا يوجد أدنى علاقة للقمنى من قريب أو بعيد بهذا الاتهام (ضمن من يتهمهم السيد ممدوح إسماعيل أيضاً، الطبرى وصحابة كثيرين يصعب إيراد أسمائهم هنا، وهم من استدل بهم سيد القمنى، ولم يقبل الأستاذ ممدوح إسماعيل بذلك).
فقد خرج علينا السيد ممدوح إسماعيل، وخلال حلقة برنامج "بلدنا" على OTV، يوم الاثنين الموافق 20 يوليو الماضى، بعد أن تقدم.. ببلاغ إلى النائب العام يتهم فيه الداعية الشيعى حسن شحاتة بازدراء الدين الإسلامى وسب الصحابة وتحقيرهم خلال خطبه التى توزع على أسطوانات وأقراص مدمجة، يتهجم على الدكتور أحمد راسم النفيس، أحد أقطاب الشيعة بمصر أيضاً.
وللحق، فإنى لا أعرف ما قاله السيد الداعية حسن شحاتة، ولست فى مكان دفاع عنه هنا، ولكنى أعرف ما كتبه سيد القمنى، ولن أتوانى فى الدفاع عنه، لأنه ولو قرأ كتبه من يتهمونه، لبجلوا الرجل، لأنه لم يقل كلمة واحدة، مما يقولون، ولكن لأنهم يكرهون أن يشرح من دونهم الدين بشكل مُيسر، لتربحهم منه، كما رأينا الشيخ يوسف البدرى على سبيل المثال، يتربح من الرُقية ويُجادل فى طلب المال ممن لم يتيسر لها، ولأنهم يكرهون الدولة، ويفضلون رئيس من ماليزيا، كما جاء على لسان مرشد الإخوان المسلمون، مهدى عاكف، فإن جائزة الدولة للكاتب العلامة سيد القمنى قد استفزتهم. فلو أنهم يرون فى كتاباته هذا التهجم على الدين، لما انتظروا حتى تمنحه الدولة جائزة، ولتحركوا فور نشره كتبه بتلك الهجمة الشرسة، المُدعية الدفاع عن الحق، ولكنهم رأوا تكفيره، عند اعتراف الدولة متأخراً بأفضال الرجل فى توضيح الإسلام!! فهل ينتظر الرجال، للدفاع عن الحق، ويؤجلون ذلك إلى أن يحدث حدثا يتعارض مع مصالحهم الشخصية؟ أم أن هذا يبدو نفاقهم، بما لا يدع مجالاً للشك، حيث يهاجمون الدولة فى شخص سيد القمني، رغم أنه ليس من رجالاتها؟ وإن أرادوا مهاجمة الدولة، فليكونوا على مستوى المسئولية، وليهاجمونها رأساً، بدلاً من استخدام الافتراء على كتابات القمنى جسراً لذلك!
ولذا فإننى أطالب بما يلى:
أولاً: محاكمة الأستاذ ممدوح إسماعيل، بنفس التهمة التى يوجهها لسيد القمنى، لأنه وباستدلاله هو، أساء للإسلام إساءة بالغة، بإساءته للصحابى الجليل عمار بن ياسر وابن كثير الذى نقل عنه سيد القمنى بالحرف، وفى خصوص هذه النقطة فقط، ناهيك عن بقية النقاط التى ذكرها السيد ممدوح إسماعيل (فليس المقال كتاب، يُمكننى فيه إيراد كل الاستدلالات الفاسدة التى لجأ إليها الرجل)
ثانياً: أن يحاكم الأستاذ ممدوح إسماعيل بتهمة، إزدراء علماء المسلمين، و"فساد" النقل عن كتاباتهم، ونقل ما لم يكتبوه، من أجل إثبات كفرهم، وذلك حيث إنه أخذته العزة بالإثم، من أجل تكفير المسلمين الآمنين، وتشكيك العوام من المسلمين، فى دينهم، حيث استدل سيد القمنى فى مجمل كتبه بكتب التراث الإسلامى، الذى يطلع عليها الجميع، ولم يأت بجديد إلا فى تحليله، الذى يتسق اتساقا كليا وجزئيا مع رسالة الإسلام ولا يخالف نص فى القرآن، بينما يريد الأستاذ ممدوح إسماعيل إثبات العكس باستماتة، بتدليلات وتفسيرات خارج السياق، وإلصاق تهم جزافية دون أدنى قراءة، ولكن من خلال من نقل له دليل فاسد أو من سمع عن أحد دون قراءة، رغم أنه محام، ينبغى له أن يقرأ أوراق قضيته قبل عرضها على القضاء.
ثالثاً: أطالب الدولة بإطلاق حملة من أجل حرية الإبداع وتجديد الخطاب الدينى، بما يتناسب مع العصر، وما لا يخالف صحيح الدين، وأن تُجرم كل من يطلق تهم تزدرى الآمنين وتكفرهم وتهدر دمهم، لغرض فى نفس يعقوب، لأن الله وحده، هو الذى يحاسب العباد، لقوله تعالى، "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شىء شهيد" ولقوله تعالى، "لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم"، ولعقلانية كل ما سبق مع الحياة البشرية على الأرض اليوم، وبالقياس على ما يتعرض له المسلمون اليوم من هجمة شرسة من الخارج، يجب وأن يتوحدوا للوقوف فى وجهها باستخدام العقول ولا تُغيبها، وليس بالانقسامات الداخلية فيما بينهم، من أجل غايات ضيقة!
وتلك الحملة، لا تستهدف فقط الدفاع عن الآمنين هنا فى مصر أو العالم الإسلامى أو من هم غير مسلمين، ولكن، تستهدف الوقوف حيال ما يخطط للمسلمين وبلادهم، من خارج أمتهم، لاستهدافهم على المدى القريب والبعيد. إن حرية الإبداع وتجديد الخطاب الدينى فى مصر وخارجها، هم وحدهم الكفيلين بأن يكونوا حائط الصد الأول فيما يتعلق بما هو قادم من أخطار - الكثير منها مؤجل حتى يخرج أوباما من البيت الأبيض بعد تحسين صورة الولايات المتحدة فى العالم - يُحدق بالأمة من كل صوب ومنحى. إن ما نحن فيه، هو مرحلة إعداد مهمة للغاية، لإرساء قواعد التعامل مع من يتربص بنا، فلماذا لا نتحد، باحترام كل فريق للآخر، طالما لا يوجد ما يسىء لأى دين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة