أحمد صلاح يكتب:وهم اسمه العروبة

الثلاثاء، 28 يوليو 2009 11:56 ص
أحمد صلاح يكتب:وهم اسمه العروبة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما كنت صغيرا كان والدى يضع فى جهاز التسجيل شرائط الأغانى الوطنية لعبد الحليم حافظ وكان دائما ما يردد مع العندليب كلمات تلك الأغانى وهو يمارس هوايته المحببةـ الرسم ـ وكنت أنا من خلفه أردد وأحفظ تلك السيمفونيات الثورية التى أبدعها صلاح جاهين وأحمد شفيق كامل وحسين السيد ولحنها كمال الطويل ومحمد الموجى وبليغ حمدى وأيضا محمد عبد الوهاب، فى النهاية تربيت على صوت عبد الحليم حافظ وخطب جمال عبد الناصر وتشربت حتى الثمالة من حلم اسمه الوحدة العربية.

ظللت أحلم بانهيار الحدود بين الدول العربية واعتبار الوطن العربى كله أمة واحدة متجانسة فى الجنس واللغة والدين والآمال والأحلام والأفكار ولكننى لم أفهم صبيحة يوم 2 أغسطس 1990 لماذا احتل العراق الكويت، ولم أستطع أن أفهم كيف تقدم دولة عربية على مهاجمة واحتلال دولة عربية ولماذا يتركون إسرائيل وهى على مرمى حجر من صواريخهم وطلقات مدافعهم.

حالة انفصام وشيزوفرينيا أصابت المجتمع العربى وتركت عقلى يدور فى حلقات مفرغة للوصول لإجابة، وسألت والدى الذى أطفأ جهاز التسجيل وصمت مثلما صمت عبد الحليم حافظ، وكانت صورة جمال عبد الناصر فى غرفتى تفيض بالدمع، ولكننى لم أجد إجابة تشفى غليلى وكانت كل الإجابات بالنسبة لى مبهمة.

ومع ثورة الاتصالات ووجود الإنترنت بدأت ألاحظ شيئا غريبا؛ أن كل الشعوب العربية تكره كل الشعوب العربية وأن حلم الوحدة هو مجرد وهم جميل وأن يكون هناك اقتصاد عربى مشترك وجيش عربى مشترك وعملة عربية مشتركة كل ذلك مجرد وهم وخيالات.

يقول علماء السياسة إن سبب فشل الوحدة بين مصر وسوريا أنها جاءت بقرار سياسى وأن الشعبين المصرى والسورى لم يكونا مستعدين لتلك الوحدة لذلك فشلت فشلا ذريعا، ولكن فى تلك الأيام أصبحت الفجوة بين الشعوب العربية أكبر والوهم أصبح غولا يلتهم كل الأحلام.


والدليل من مواقع الإنترنت ذات الشهرة مثل الفيس بوك واليوتيوب ومواقع الدردشة مثل الياهوو والبال توك، ستجد السنة يسبون الشيعة والعكس، والمسلمون يسبون المسيحيين والعكس، والإسلاميون يسبون الشيوعيين والعكس، وكل الطوائف والمذاهب تتناحر وتتقاتل فى حرب افتراضية على الإنترنت مما يجعلك تقف على حالة التدهور القومى المزرى بين الشعوب.

لقد حاولت أن أدخل فى محاورات مع شباب وبنات عرب حول حلم الوحدة ولكننى اصطدمت بحائط من الفولاذ السميك، فالكل يعتز بوطنيته القطرية ويعتبر أن باقى رؤساء وملوك الدول العربية هم مجرد خونة وعملاء سواء لإسرائيل أو أمريكا وأن باقى الشعوب ليست على مستوى المسئولية والقوامة وباقى السباب طبعا معروف.

إذًا حلم الوحدة- يا سادة- مجرد وهم كبير حاول جمال عبد الناصر باسم القومية العربية تحقيقة وكان هو الرمز لتحقيق ذلك الأمل والحلم ولأن عبد الناصر كان مشحونا بهذا الأمل بعدما رأى بعينيه الهزيمة فى عام 1948 فقد حاول أن يحقق ذلك الحلم، وبدأ بالوحدة مع سوريا ولأن البعض من العرب لا يريد تلك الوحدة فكان الانفصال الذى هز جمال عبد الناصر من الأعماق ثم المؤامرات عليه التى انتهت بنكسة يونيو 1967 ثم وفاته بنار وهم الوحدة العربية.

ومرت الأيام واحتل صدام الكويت، ومرت الأيام وعرفنا من يتآمر على من فاكتشفنا أن كل العرب يتآمر على كل العرب، وأننا نكره بعضنا البعض، بل ونتملص من عروبتنا.

عندما مات جمال عبد الناصر وهو لم يكمل عامه الاثنين والخمسين بعد، كانت جلطاته هموم الوحدة وآهاته مؤامرات الأشقاء.

وفى النهاية شلت يدى وهى تشغل أغانى عبد الحليم مرة أخرى ولا أجد من يمسح دمعة الزعيم فى صورته المعلقة فى غرفتى ولكننى أستشهد بكلمات نزار قبانى فى قصيدته "فى رثاء جمال عبد الناصر"
قتلناك.. يا جبل الكبرياءْ
وآخر قنديل زيتٍ
يضىء لنا، فى ليالى الشتاء
وآخر سيفٍ من القادسيةْ
قتلناك نحن بكلتا يدينا..
وقلنا: المنيّة
لماذا قبلت المجىء إلينا؟
فمثلك كان كثيرا علينا..
سقيناك سمّ العروبة، حتى شبعت..
رميناك فى نار عمّان، حتى احترقتْ
أريناك غدر العروبة، حتى كفرتْ
لماذا ظهرت بأرض النفاق..
لماذا ظهرت؟
فنحن شعوب من الجاهليهْ
ونحن التقلبُ..
نحن التذبذبُ..
والباطنيهْ..
نبايع أربابنا فى الصباح
ونأكلهم.. حين تأتى العشيةْ..

*كاتب وباحث






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة