عندما تتحجر الكلمات فى الأفواه وتختنق بها الحناجر تسكب العبرات وفى أساكيبها ألف صرخة وألف ألم.. هذا ما كان من أمر عينىّ حين وقفت لتذرف الدمع على ما آل إليه حالنا من زيف فى النفوس باطنها وظاهرها، حتى المعانى تغيرت الفرحة تغيرت الصداقة تغيرت وحتى الحب صار حوار عبر النت أو أنفاس حارة عبر الهاتف الجوال وأما عن فرحة الزفاف، فما أمست فى واقعنا غير أغنيات ماجنات ومكبرات للأصوات وشباب يتراقص كالذباب يتقاذفون المخدرات أمام آبائهم، وربما شاركوهم فيها فمنهم من تأخذهم النشوة، فيرقصون عرايا كما ولدتهم أمهاتهم لا يسترهم شىء ومنهم من يسكبون على أنفسهم المسكرات وغير ذلك من الصور التى تدمى القلب.
القلب الذى نسى شبابنا أنه مستودع الفرح والحرية وأن ما صرنا إليه وصار إليه حالنا ما هو إلا تقليد أعمى لمجتمعات سبقناها بحضارتنا وماضينا فقلدتنا فى ماضينا فعلت علينا فى حاضرنا، أما نحن فصرنا مقلدين للسوء والباطل، فبنطال ساقط وشعر مصبوغ وسلسلة فى الرقبة وحظاظة فى اليد وصار الكل يردد أنا حر.. أنا حر فما زال رأى الفساق فى كل زمان أن الحرية هى إفلات اللذة، وليس تقييدها بحدود الدين والعرف الذى ما أن تركناه إلا وتغير واقعنا إلى ألم فادح.
ولا وصف فى ذلك خير من وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: (مثل القائم فى حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروراً على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإذا تركوهم وما أرادو هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً) رواه البخارى وفى لفظ (مثل المدهن): أى المحابى والمداهن، والمراد به من يضيع الحقوق ولا يغير المنكر، وفى لفظ للبخارى (فكان الذى فى أسفلها يمر بالماء على الذين فى أعلاها فتأذوا به فأخذوا فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا: مالك؟ قال: تأذيتم بى ولا بد لى من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم).. فلتكن أيدينا يداً بيد.
