عبد المنعم فوزى

المدينة الفاضلة

الأحد، 26 يوليو 2009 10:24 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل التراحم وأخذ القوى بيد الضعيف وكفالة اليتيم وتقديم العون للمحتاجين من المعاقين والنساء والعجزة قيم إنسانية أم تدين ويخص عقيدة واحدة فقط؟

سؤال وجدت إجابته أثناء زيارتى لكوريا الجنوبية، التى يعتنق أكثر من 65% من سكانها البوذية، أشياء كثيرة تراقصت فى عقلى منذ دخلت مطار إنتشون الدولى، السبب الجهد الخارق الذى يبذله الكورى من أجل أن يشعرك أنه يكن لك كل الاحترام.

الدليل طريقته فى الترحيب لا تقتصر على الابتسامة، التى لا تنقطع، ولا على الانحناء الذى يستقبلونك ويودعونك به فى الفندق والمطعم والحافلة وسيارة الأجرة، بل يحرصون كل الحرص على مساعدة الغرباء بأقصى ما يمكن لهم أن يفعلوه. الكوريون شعب مضياف جداً وخدوم وبدون كلل أو ملل.. المشكلة أننى ذهلت عندما ذهبت مع مجموعة من صحفيى العالم إلى جزيرة جوجى.. السبب أنه يستحيل أن تسمع أن الذين يترددون عليها يتعرضون إلى عمليات سرقة أو ترى شرطياً واحداً فى شوارعها، يخيل للزائر أنه فى مدينة أفلاطون الفاضلة.. المدينة تكونت نتيجة مباشرة للنشاط البركانى ومشهورة عالميًّا بجمالها الطبيعى واختيرت كموقع عالمى للتراث الطبيعى من قبل اليونسكو نسبة اللون الأخضر فيها تكاد تصل إلى ‏60%‏ من حجم الجزيرة.. المدينة أيضا مشهورة بأنها خالية من ثلاثة: اللصوص، الشحاذين، الأبواب.. فمنازلهم مصممة بدون أبواب ويمكن لأصحابها أن يتركوها لفترة ويعودوا دون أن يسرق شىء منها.. السبب أنها تاريخيا تهب عليها الرياح الشديدة التى تدمر المنازل تدميراً مما أثر على سلوك سكانها، علمتهم التكافل والتراحم والتواصل فيما بينهم.. بعض المنازل تنهار بفعل الرياح، فيقوم أهل المدينة باستضافة من انهار منزله ومساعدته فى إنشاء منزل دون تعقيدات حكومية أو روتينية.. الجميع يتكاتف من أجل مساعدة الأسرة المنكوبة لبناء منزل آخر أقوى وأشد من الرياح العاتية.. النتيجة أنهم يطلقون عليها جزيرة شهر العسل، فتلك الجزيرة تعيش الأحلام.

هل تعرف لماذا؟ لأنه لا يوجد فقير واحد فى هذه الجزيرة.. الفقر، كما يعرفه البعض، أن لا تجد شيئاً تأكله أو مكاناً تأوى إليه، وكل هذه الأشياء متوفرة.. السبب أن الناس هناك على استعداد لاستضافتك وتقدم لك المساعدة والعمل.. فمن لا يجد طعامه يذهب إلى البحر ليصطاد ويمكنه أن يأكل ما يصطاده أو بيعه للحصول على غذائه، والمساعدة هنا أن لا تقدم السمكة، ولكن تقدم السنارة حتى يكتسب من عرقه..

تذكرت ما يحدث من مهازل عندنا فى حالة انهيار منزل أو وقوع كارثة، حيث تعانى أى أسرة الأمرين من التشرد والانكسار للحصول على مجرد مأوى يسترها لدرجة تقديم الرشاوى من أجل الحصول على حقوقها فى حين تقوم الوزارة أو المحافظة بتقديم بعض هذه الشقق للنقابات أو لبعض المحظوظين، ويقوم ببيعها، وسألت أحد الأشخاص المتدينين ولا يترك فرضاً، كما يقولون، ومحترم، لماذا تتاجر فى مثل هذه الشقق وأنت تعلم أنها تباع لشباب محتاج أو أسرة منكوبة، فرد قائلاً: يا حبيبى الكل كسبان وهى تجارة والحكومة عارفة وتغض الطرف، لأن الكل كسبان.. ولماذا لا تحاسب أصحاب الجلود السميكة من المسئولين ورجال الأعمال عندنا الذين يسعون لجمع المناصب وتكوين الثروات، وكيف أصبحوا أغنياء فجأة على حساب شعب يعيش تحت وطأة إفقار منظم، من غلاء فاحش فى أسعار المواد الغذائية الأساسية مع فواتير مرتفعة للكهرباء والمياه ومختلف الرسوم على الشهادات.
وتذكرت من بين التصرفات الرائعة التى تحسب للكوريين والتى ينسجم سلوك وأخلاقيات الشعب مع حكامه قيام الرئيس الكورى الجنوبى لى ميونج باك، بالتبرع بكامل مدخراته التى تبلغ نحو 33.2 مليار وان (26.2 مليون دولار) ، تنفيذاً بالوعد الرئاسى الذى قطعه على نفسه إبان حملته الانتخابية لاستخدام ثروته الخاصة ليس من أجل أسرته، ولكن من أجل ذوى الحاجة بإنشاء مؤسسة تقدم منحاً دراسية ومساعدات مالية أخرى للطبقة الفقيرة.

وحول دواعى تبرعه بثروته قال: "عندما أعود بذاكرتى إلى الوراء، فإننى أدرك أن من ساعدنى لكى أصل إلى الوضع الذى أنا عليه الآن كانوا من الفقراء، وأعتقد أن إحدى وسائل رد الجميل التى قدموها لى هى استخدام ثروتى من أجل غرض نبيل.. أتمنى حقيقة أن نصبح مجتمعاً يتمكن فيه الشعب من التعبير عن الحب، ليس فقط من خلال المال، ولكن بالقلوب الصادقة المخلصة، لأن المال من دون الحب لا يعنى شيئاً".

وكان الرئيس لى قد تعهد قبل عشرة أيام فقط من الانتخابات الرئاسية بالتبرع بكل ثروته الشخصية للمجتمع باستثناء منزل واحد يخطط أن يعيش فيه عقب التقاعد. قصص الكوريين الذين يملكون إرادة بلا حدود، جعلتهم يصنعون مصيرهم بأيديهم خلال أربعين سنة من الجهد سمحت لهم بالقضاء على الفقر وتحقيق مستوى راقٍ من المعيشة دون أن يتخلوا عن مبادئهم أو ثقافتهم وهذه قصة أخرى.
فهل حقا أنا مخطىء إن تساءلت هل نحن خير أمة أخرجت للناس؟






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة