قهوة..شاى.. حاجة ساقعة طق..طق.. (صوت ملعقة صغيرة وهى تدب بانتظام ومواصلة على صينية ردئية).. تسألنى.. أجيب قهوة يا باشا؟.. أرد: شكرا.. طب شاى.. طب حاجة ساقعة أجيب متململا: يا ستى شكرا ألف شكر.. ترمقنى بنظرة موجعة عل وعسى أن أحس على دمى وأتناول منها مشروبا، وبالفعل أحس وأتناول مشروبا ثم آخر.. ثم آخر لا حبا فى المشاريب قدر ما أود أن أتفرغ لما أنا فيه بعيدا عن زنها المستمر.. لكن يأت آخر عارضا خدماته: شاى يا بيه؟.. دقائق وتأتى أخرى ..لا أتكلم عن قطار من قطارات الصعيد المزدحمة بصنوف من البشر والباعة يطارودنهم فى حيزهم الضيق ومسافاتهم البعيدة.. لا والله إنى أتكلم عن قاعة محكمة جنايات!.
لى صديق ابتلاه الله من عام باتهام فى قضية كبرى لا ناقة له فيها ولا جمل.. كان وكنت وكثيرون مقتنعين ببراءته، فهو برىء جدا حتى فى حياته العادية وطوال العام كنت معه على مر الجلسات، وكنت أتأمل ما أنا وهو فيه.. فأشعر بنفور بالغ وألم شديد على ما أراه من قله نظام وعبث وفوضى قبل كل جلسه بقاعة عدل تمنح البراءة لمظلومين أبرياء وتقتص أيضا من مجرمين عاثوا فسادا فى الأرض.. وتذكرت وسط تلك المشاهد قاعات المحاكم كما نراها فى الأفلام الأجنبية فأتحسر.. ففيها المتهم جالس على مقعد أنيق.. القاعة فسيحة.. كل شىء فيه ملمح من الجمال والكثير من الإنسانية.. أقول ما قلت وأقسم إنى حزين لهؤلاء الناس البسطاء الذين يفعلون المستحيل كى يحصلوا على قوت يومهم فأجرهم الأساسى لا يليق بأية حياة..
وعندما أصدر القاضى الحكم ببراءة صديقى.. انطلقت إليه أعدو فرحا واستقبله عند باب القفص الحديدى المقيت فتلقفته فى صدرى الذى بلله بدموعه الكثيرة بعد صدور حكم طال معه معاناته وأرّقه وقلقه ووسط تلك المشاعر الإنسانية الفياضة إذ بنا نجد دائرة حولنا كحصار جيش فى ميدان معركة قائلين لنا: مبروووووك البراءة يا باشا حلاوتنا فين؟!. أعطيتهم كل ما معى وقد كان كثيرا وخرجنا نعدو أنا وصديقى لنبكى فى مكان آخر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة