من المفاهيم الشائعة المطابقة بين الدين الإسلامى والتاريخ المسمى بالتاريخ الإسلامى، والمقصود ذلك التاريخ الذى يرفع شعار الإسلام، ومن المعروف أن هذا التاريخ لا يمكن أن يكون حجة على الدين الإسلامى نفسه، فالدين منظومة من الحقائق الروحية الكونية لها صدق مطلق وأبدى ومستقلة عن الظروف المتغيرة أو المتطورة، ومن جانب آخر فإن النظم السياسية وأهدافها متغيرة وما يصدق منها على مرحلة تاريخية لا تلاءم مرحلة تاريخية أخرى، وينطبق هذا الأمر على جميع الأديان والمذاهب أياً كانت سماوية أو وضعية.
ومن يسمون بأصحاب أو أتباع التيار الإسلامى فى مصر يريدون أن تعود الخلافة الإسلامية مرة أخرى، مفترضين أولاً أنها كانت بالفعل خلافة تمثل الإسلام، ومفترضين ثانيا أن عودة الخلافة هى عودة لتطبيق الشريعة الإسلامية وعودة لتطبيق نصوص الدين الحنيف معتمدين فى دعوتهم على نصوص التاريخ المسمى بالتاريخ الإسلامى فى زوايا كثيرة ناسين ومتجاهلين التناقضات الصارخة العديدة التى يحتويها هذا التاريخ.
إننا بداية ندعى أنه لا يوجد ما يسمى بدولة دينية تستمد كافة أحكامها الدنيوية من أصول فقهية، هذه الدولة لم توجد ولن توجد ليس بسبب أخطاء التطبيق الشائعة ولعزوف الحكام والخلفاء عن تنفيذ صحيح الدين لأسباب دنيوية ولكن لأن تعريف الدولة الدينية :
" هى تلك الدولة التى لديها نصوص تشاريع واضحة منزلة عليها لكل أمور الحياة لتحقيق أهدافها ويعد الخروج عنها خروجا عن طاعة الخالق"، ولا يجب اللجوء إلى القياس على الأصول لأن القياس نفسه يقوم به بشر والبشر بطبيعتهم ذات أهواء يقومون بالتأويل طبقاً لأهواء ومتطلبات الحاكم أو حتى طبقا لمتطلبات العصر وبصرف النظر عن دقة هذا التأويل أو صوابه أو خطأه فإن عملية التفسير أو التأويل فى حد ذاتها عملية يقوم بها سياسيون من أجل مصلحة بعينها هو عمل بشرى أى مدنى ، قد يطابق النص الأصلى بهذه الدرجة أو تلك وقد يبتعد عنه كل الابتعاد ولكنه فى كل الأحوال يطابق مصالح دنيوية بعينها.
إذن نصل إلى أن عملية التفسير والتأويل نفسها تعد من أعمال الدولة المدنية .وقد سبق للإمام على رضى الله عنه أن ذكر عبارة " أن القرآن حمال أوجه وأن القرآن لا ينطق بنفسه ولا يفسر نفسه بنفسه وإنما يقوم بذلك بشر".
أما تعريف الدولة المدنية فهى تلك الدولة التى تأخذ بأسباب المصلحة العامة (الأسباب الدنيوية) لتحقيق الأهداف العامة لمواطنيها وتعتبر تحقيق هذه الأهداف هو الهدف من التشريع ، ويقوم ممثلو الأمة بتغيير القوانين وكذلك تغيير مواد الدستور كلما اقتضت المصلحة العامة هذا التغيير.
ومن هنا نستطيع أن ندرك أن ما هو موجود عبر التاريخ البشرى هو الدولة المدنية التى تستلهم المصلحة العامة فى تشريعاتها وقوانينها اليومية ، هذا بصرف النظر عن أن هذه المصلحة كانت تمثل مصلحة فرد أو طبقة حاكمة أو جموع المواطنين الذين يمتلكون حق المواطنة فى هذه الأمة.
والسؤال: هل وجدت أمما أو دولا تحمل أسماء أخرى والإجابة نعم لقد وجدت الدول المدنية التى تريد أن تستعين بسلاح قوى يساعدها على التحكم فى شعوبها ولم يكن هناك دائما أقوى من سلاح الدين فأردت هذه الدولة المدنية ثياب الدين وعادة تكون هذه الدولة من تلك الدول التى يعمل نظام الحكم فيها لصالح فرد واحد أو عائله واحدة أو طبقة ضيقة من الحاكمين.. ومثل هذه الدولة تكون أحوج ما تكون إلى الاستعانة بسلاح يسهل لها أمور الحكم فتدعى أن شرائعها وقوانينها هى شرائع الإله أو الرب أو المعبود فيطابق الحكام الأمويين أو العباسين أو العثمانيين أو التتار أو المسيحيين أو اليهود أو الوثنيين أو غيرهم بين شرائعهم وقوانينهم وأفعالهم وبين تعاليم القرآن الكريم وتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم أو تعاليم الكتب التى يدعون نسبتها للخالق فى الأديان الأخرى.
وعندما ندرس التاريخ المسمى بالتاريخ الإسلامى نجد أنفسنا أمام دولة أو دول تدعى أنها دينية وحقيقتها أنها تعتمد على تسيير أمورها بالأسباب الدنيوية التى تحقق أهدافها الحياتية ولكن بسبب الرغبة لدى أولى الأمر فى الاستئثار بوضع هذه القوانين يدعى أولى الأمر أن مصدرها هو التنزيل الإلهى، وبالتالى لا يحق لنا أن نقوم بتغييرها أو حتى مناقشتها، لذا نجدهم يعطون الحق لأنفسهم برفع شعار الدولة الدينية بينما هم لا يملكون الشرط الأساسى لتواجدها.
وما نستطيع أن نجزم به هو أن التاريخ البشرى لم يشهد ولن يشهد دولة دينية حقيقية وأن ما شاهدناه فى شرقنا العربى فى فتره الحكم الذى كان يرفع شعار الإسلام هو دولة مدنية بحتة ويحكمها حكام مستبدون أرادوا خداع شعوبهم والسيطرة عليهم.
أحمد محمد السعيد يكتب..التاريخ الإسلامى دولة دينية أم مدنية؟
الجمعة، 24 يوليو 2009 10:24 ص
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة