مصطفى زهران يكتب.. الصوفية فى مواجهة الإسلام الأصولى

الخميس، 23 يوليو 2009 10:49 ص
مصطفى زهران يكتب.. الصوفية فى مواجهة الإسلام الأصولى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شهدت مصر فى العقد الأخير من القرن الماضى معارك فكرية وآيديولوجية ومسلحة أحيانا بين الحركات الإسلامية المختلفة بتياراتها المتعددة وخاصة الراديكالية منها مع النظام المصرى، والتى تصفه بالكافر والعميل، والتى سلم معظمها فى النهاية إلى ما يسمى بفكر المراجعات، الأمر الذى دفع النظام المصرى للسعى نحو الدعم المباشر للجماعات الصوفية بطرقها المختلفة والمتعددة، وتنشيط دورها فى المجتمع المصرى، الأمر الذى وصل لحد الترويج لها إعلاميا لتقف أمام المد الأصولى بأشكاله المختلفة.

لن تجد الحركة الصوفية فى مصر فرصه لبسط نفوذها ودعم سلطتها الروحية فى قلوب مريديها وأتباعها ومحاوله استقطاب المئات لتدعيم صفوفها مثل هذه الفترة الراهنة، بعد أن ضيق الخناق على الحركات الأصولية وخاصة الراديكالية منها التى دخلت فى صراع مسلح مع النظام المصرى وباءت بالفشل فى نهاية المطاف، الأمر الذى أورث الرهبة والخوف من تنامى تلك الحركات مرة أخرى على غرار سابقيها فبحث النظام المصرى عن بديل تمثل فى الصوفية البعيدة عن المواجهة والعنف..ليجعله فى مواجهة مثل هذه الحركات ويحد من نشاطاتها.

وفى أوائل الثمانينات كانت جماعتا الجهاد والجماعة الإسلامية المصريتان تطفوان على مسرح الأحداث فى مصر حتى أواخر التسعينيات، والتى تعد من أشد الفترات دموية فى تاريخ مصر الحديث، ولكن تعامل النظام المصرى الحذر بعد تولى "الرئيس مبارك"الحكم 1982م والتى اتسمت فترته بالكياسة والقوة فى التعامل مع تلك الحركات فى صعيد مصر وجنوبها خاصة الوجه البحرى الذى عج بآلاف من حركات التكفير والهجرة عن طريق قمعهم والزج بهم فى السجون لفترات طويلة حتى تم القضاء على أحلامهم وطموحاتهم نحو تحقيق مايسمى بالإمارة الإسلامية والحكم الإسلامى....وفى نهاية المطاف خرجت من السجون رسائل ما تسمى بالمراجعات الفكرية التى يعلنون من خلالها نبذهم للعنف وتراجعهم عن حمل السلاح وتكفير الحاكم، والتى عرفت بمراجعات الشيخ إمام.

الإخوان المسلمون أقدم الحركات الإسلامية فى مصر منذ إنشائها على يد حسن البنا فى 1928م وكانت لها وجود قوى وضمت تحت لوائها الآلاف من مختلف محافظات مصر، إلا أن هذه الفترة التى بزغت فيها نجم الحركات الإسلامية الأصولية الراديكالية كانت تشاهد الأحداث عن قرب لتنأى عن الدخول فى مواجهة هى الأخرى مع الحكومة وأصدرت الجماعة خلالها الكتب المختلفة ضد الأفكار الراديكالية والأصولى. وكان للمرشد السابق عمر التلمسانى والهضيبى دور كبير ساند الحكومة المصرية آنذاك وصدرت الكتب المتعددة التى تؤيد عدم التصادم مع الحكومة والنظام المصرى، مثل كتاب" دعاة لا قضاة"...والذى وجه من خلاله خطابا لاذعا ضد فكر هذه الجماعات التى كانت تنظر فى الوقت ذاته لحركة الإخوان المسلمين على أنها خانعة.

لم تدم علاقة الود بين النظام المصرى والإخوان طويلا نظرا لغياب الحركات الإسلامية الراديكالية الأصولية، بعد الزج بها داخل السجون المصرية فى مشاهد مأساوية بعد تعبئة الرأى العام المصرى ضدها ووجهت وسائل الإعلام المصرية أشد حملاتها ضد أفكار هذه الجماعات المسلحة مما ساعد على اختفائها من الساحة المصرية ناهيك عن حالات منفصلة على سنوات متباعدة، فدخلت فى سجال سياسى بينها وبين النظام المصرى الذى دفع بقادتها إلى محاكم عسكرية وعمل على قص جناحها كلما نبت لها ريشا وحاولت الطيران مرة أخرى .

نشطت فى خضم تلك الظروف السابقة الحركة السلفية بقوة وتعددت تقسيماتها وأنواعها، فمنها السلفية الجهادية والسلفية المتشددة وهو التيار الأكثر شعبية فى المجتمع المصرى، ومنه التيار السلفى القائم على العلم والتربية ومن أبرز مشايخه الشيخ محمد حسين يعقوب وحسان والحوينى والذى أصبحت لهم قاعدة كبيرة فى أوساط المصريين وخاصة بعد ظهورهم على القنوات الفضائية التى ساعدت على ترويج أفكارهم أكثر من ذى قبل، فانتشرت ظاهرة النساء المنتقبات فى مصر بشكل ملحوظ عن ذى قبل، وتعاظم أعداد الشباب الملتحى ذى الجلباب القصير.

كل ذلك دفع الحكومة المصرية إلى التوجه نحو الدعم المباشر لجماعات الصوفية فى مصر، من خلال إعطائها الحرية الكاملة فى إقامة الموالد الخاصة بمشايخهم وأسياد طرقهم مثل مولد البدوى والشعرانى والسيدة زينب والسيدة نفيسة ...إلخ من المقامات والأضرحة المنتشرة فى مصر، ناهيك عن المؤتمرات التى تدعمها الدولة لنشر الفكر الصوفى والذى لعب الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق دورا كبيرا فى الترويج لهذا الفكر إلى أن وصل الشيخ على جمعة إلى دار الإفتاء والذى كان يتحلق حوله المئات من المريدين له فى مسجد السلطان حسن والمعروف بموقفه الحاد من السلفية وفكر محمد بن عبد الوهاب.

تراهن الجماعات الصوفية فى مصر على الوجود بقوة مع الصلاحيات التى تقدمها لهم الحكومة المصرية، وتعتمد الصوفية بشكل عام على مجموعة ممارسات تقوم على نبذ الدنيا والعمل والتفرغ التام للطاعة والعبادات بالإضافة إلى مجموعة من الأوراد والأذكار يتوارثها الصوفيون من شيخ إلى آخر. واتباع شيخ هو شىء أساسى فى الفكر الصوفى (من لا شيخ له فالشيطان شيخه) "فهم بعيدين كل البعد عن الخوض فى معترك السياسة والحكم الذى يؤرق مضجع أى نظام حاكم.

لذلك تشرع الحكومة المصرية بإصدار قناة فضائية يغلب عليها الجانب الصوفى لتقف أمام الإعلام الأصولى .....ولكن هل تنجح الصوفية فى وقف مد الحركات الأصولية على الساحة الداخلية المصرية كالسلفية التى تنتشر يوما بعد يوم بإعلامها المتزايد وصورها المختلفة ...هذا ماسنرقبه فى المستقبل القريب.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة