الرجل الذى لابد للمصريين أن يستحضروا روحه إذا أرادوا الخلاص من التطرف والفقر والفوضى

الخميس، 23 يوليو 2009 10:10 م
الرجل الذى لابد للمصريين أن يستحضروا روحه إذا أرادوا الخلاص من التطرف والفقر والفوضى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الشعب المصرى متدين بالفطرة، يراعى الله فى كل ما يصنع، ويسعى لأن يضبط تصرفاته وسلوكه ومسار حياته على تعاليم خالقه، حتى العصاة والخارجون على المعلوم من الدين بالضرورة تجدهم يجهدون أنفسهم فى البحث عن مبررات لعصيانهم، وبقدر ما فى ذلك من كوميديا لدى البعض الذين يأخذون الأمور من قشورها، أو مغالاة فى الفسق والعصيان لدى الذين يتطرفون فى التعامل مع الإنسان وضعفه، فإن فيه يقين الشعوب العريقة المتدينة بوجود الخالق، وضرورة طاعته، حتى إن بلغ الضعف مداه إلى المعصية.

لقد أدرك الساسة هذا التدين الفطرى لدى المصريين فاستغلوه للسيطرة عليهم، وأدركه المتشددون محبو الظهور فاستغلوه لتحقيق السطوة والثروة والمكانة الرمزية، وأدركه التجار فاستغلوه أسوأ استغلال كما نرى فى الفضائيات حتى أصبحنا أمام صناعة التدين الشكلى التى تدر الملايين على من يديرونها، وتستدرج العقول إلى رمال التخلف المتحركة.

وبين الساسة الباحثين عن الهيمنة والسيطرة، والمتشددين الباحثين عن السطوة والمكانة، والتجار الباحثين عن المال من تجارة فتاوى نزع الشعر وشرب بول الإبل، يقف المصريون باحثين عن فقيه وسطى يراعى صلاح الدين والدنيا، هدفه الإنسان أولا وأخيرا، ينجرفون حينا وراء مفسر للقرآن الكريم يبسط المعانى فى حكايات سهلة تستجلب الإعجاب لكنها لا تصنع وعيا ولا تحرك إرادة، أو ينساقون وراء تهويل من يختزل الدين فى عذاب القبر وحكايات الثعبان الأقرع ودرجات جهنم، حتى يصل بالناس إلى اليأس، وقد يجدون مخرجاً لتقصيرهم وكسلهم فى من يصور الحياة الدنيا أنها قد خلقت للأجانب والخواجات يتقدمون فيها ويخترعون ويبدعون، بينما علينا أن نستهلك ما ينتجون وأن نلعنهم ونحن نستعد للآخرة بعدد مرات الحج والعمرة ولبس البياض وإطالة اللحى.

وسط هذه الفوضى التى أضاعت تصورنا القويم عن الدين والدنيا معا تبرز الحاجة الماسة للإمام المستنير محمد عبده المصلح البارز والمفكر الكبير ومفتى الديار المصرية وصاحب النظرة الثاقبة فى معظم المشكلات والقضايا المعاصرة التى مازلنا نتخبط فيها منذ مائة عام أو يزيد.

نحتاج إلى الإمام محمد عبده لمواجهة الفتنة الطائفية، بما له فيها من حلول تعمل على بناء تماسك المجتمع، كما نحتاجه لحسم قضايا أصبحت مثار جدل يومى بين الناس مثل فوائد الادخار فى المؤسسات المصرفية ودفاتر التوفير، والتأمين على الحياة وتعدد الزوجات، ومسألة التظاهر بالتدين والتطرف فيه، وهو ما عمل على مواجهته بكل قوته وكان يرى أن الغلو فى الدين ما هو إلا نتيجة جهل وحماقة وكلما زاد جهل المتكلمين فى أمور الدين دفعوا الناس دفعا إلى التطرف.

لقد تناول الإمام محمد عبده قضايا استقلال المرأة اقتصاديا ودورها الاجتماعى فى وقت مبكر جداً من مطلع القرن العشرين، وسعى إلى إصلاح المناهج التعليمية والتربوية واعتبرها بوابة الإصلاح والمجتمع والدولة منذ مائة عام، بينما مازلنا نتخبط فى إلغاء السنة السادسة الابتدائية أو الإبقاء عليها، فى الإبقاء على الثانوية العامة بنظام الترمين أو العودة إلى الترم الواحد، إلغاء التنسيق فى الجامعات، أم الإبقاء عليه، كل ذلك مع التوسع العشوائى فى الجامعات الخاصة وترك إصلاح الجامعات والمؤسسات التعليمية الحكومية حتى أصبح حال التعليم مثل حال الفرد المتخبط لا يعرف لنفسه طريقا ولا مستقبلا.

كما أكد الإمام محمد عبده فى سعيه للإصلاح الدينى والاجتماعى، على مفهوم الدولة المدنية وجاهد حتى يصبح معناها مستقرا فى أكبر عدد من العقول المتعلمة فى عصره، وعبر العديد من كتاباته سعى إلى تغليب أسسها المتمثلة من وجهة نظره فى إعطاء الأولوية للنظر العقلى، أى للتفكير والاجتهاد فى شتى المجالات، واعتبر أن اجتهاد الصانع فى عمله والطبيب والفيزيائى والتاجر والسياسى والمفكر هو السبب الرئيسى لنهضة الأمم، وهو صاحب المقولة المشهورة التى ذهب فيها إلى تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض، فإذا ظهر عندنا أستاذ يقول بحديث رضاع الكبير، فعلينا وفق منطق الإمام ألا ننقسم ونختلف وننشغل به أصلا كما حدث عندما ظهر علينا قائله، بل يدعونا الإمام أن نحكم عقولنا فى الأمر، وما يقبله العقل ويقره منطق الأشياء فهو بالضرورة ما يجب أن يسود.

الأمر الذى أخذ به الراحل محمد الغزالى فيما يتعلق بحديث الذبابة، وقال مستشهداً بمنهج الإمام، لن يضر الإسلام أن نتخلى عن مثل هذه الأحاديث التى يعافها العقل والمنطق ولا تمس صحيح الدين فى شىء، وإن كانت تثير المعارك المزيفة بين العامة وأدعياء العلم.

هذا الهاجس الإصلاحى هو ما دفع الإمام إلى التصدى لموضوعات مثل النقاب وإثبات أنه ليس من الإسلام فى شىء، ولو كان بيننا الآن لما جعل قضية النقاب تأخذ هذه الأبعاد الدينية المغلوطة حتى تصبح إشارة على صحة إسلام المرأة فى المجتمعات الإسلامية أو فى المجتمعات الغربية.

نقول إن حضور الإمام محمد عبده الآن فى مجتمعنا المصرى أجدى للمجتمع من سعى الذين يذهبون إلى الأزمان السحيقة ويستحضرون من فتاوى السلف ما كان صالحاً لزمانهم ولم يعد صالحا لزمننا، وأجدى بالقطع من الاستسلام لفوضى التدين الشكلى الذى لا يجر وراءه سوى التراجع والانحطاط والتخلف فى جميع الميادين.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة