للإمام محمد عبده رأى شديد الوضوح والأهمية فيما يجرى بيننا وفينا الآن من نزوع إلى تحويل المجتمع إلى مشروع لإنتاج الدولة الدينية، يقول: «ليس فى الإسلام سلطة دينية، وأصل من الأصول فى الإسلام الانقلاب على السلطة الدينية والإتيان عليها من أساسها»، بمعنى هدمها بالكامل، ويضيف: «الخليفة حاكم مدنى من جميع الوجوه، والرسول كان مبلغا ومذكرا لا مهيمنا ومسيطراً»، فما معنى هذا الكلام وما مناسبته وأهميته لنا الآن؟
الإمام يؤكد على مدنية الحاكم والمحكومين والمجتمع بكامله، وهو ما يؤكد قيمة المساواة أمام القانون، الركن الأول من أركان الدولة الحديثة، كما تنتفى السلطة الدينية بمعنى السطوة وإمكانية التحكم فى البشر عن رجال الدين، فهم مجرد متخصصين فى العلوم الشرعية إذا سألهم سائل عليهم أن يجيبوا بالأدلة والبراهين مبتعدين عن الغلو والتشدد ومبينين جميع أوجه القضية موضع السؤال دون فرض رأيهم على السائل، يتساوى فى ذلك مفتى الجمهورية وشيخ الأزهر، فلا سلطة لرجل دين على أى إنسان، وما هو فى أكمل صوره إلا مبلّغ ومذكّر.
أما مناسبته وأهميته لنا الآن، فلأن المجتمع قد اتجه إلى اختراع سلطة دينية ونصبها مهيمنة على حياته كلها، وهذه السلطة الدينية ليست متمثلة فى شخص واحد كما جرى العرف عليه، بل متوزعة فى عشرات ومئات من محترفى الفتوى والظهور فى التوك شو الدينى على الفضائيات ليتكسبوا من هيمنتهم على الناس، بعد أن تحول معظم أفراد المجتمع إلى باحثين عن شرعية لكل ما يأتونه من أفعال فى حياتهم، إذا استيقظ متأخراً رفع سماعة الهاتف على الشيخ المفضل إليه وسأله عن حكم الشرع فيمن استيقظ متأخراً، وإذا نام على جانبه الأيسر بحث عن التكفير عما فعل عند مفتى الفضائيات، وإذا رد على زوجته فى الحمام هرع إلى المفتى يسأله، وإذا أراد الجمع بين وظيفتين فعل الشىء نفسه، حتى صنع الناس بذلك سلطة دينية كهنوتية ليست من الدين فى شىء وإن كانت متوزعة فى العشرات من أصحاب اللحى الطويلة ممن يزعمون أنهم أصحاب علم.
الحل كما يقول الإمام أن يبحث الناس عن تعاليم الله فى كتاب الله، وأن يكلفوا أنفسهم بالبحث عن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فى سنته، وبذلك يقتصر دور رجل الدين فى الأمور شديدة التخصص، وتنكسر تلك السلطة المصنوعة لرجال الدين وهى ليست من الإسلام فى شىء.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة