أكرم القصاص - علا الشافعي

خالد صلاح

خدعة كبيرة اسمها: إما الحزب الوطنى أو الإخوان المسلمون

الأربعاء، 22 يوليو 2009 02:23 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذا الحصار الخشن، ليس سوى خدعة سياسية نقع نحن ضحاياها.. أنت وأنا. هذان البديلان المفروضان قسراً على واقعنا الوطنى ومستقبلنا السياسى، ليسا إلا جزءا من معادلة الجمود التى صنعت خصيصاً حتى يبقى التغيير حلما أزليا لا مكان له على الأرض، ويبقى الإصلاح مغامرة كاسرة تفزع من مسيرة شهر، كل هؤلاء الرحالة الطامحين إلى أفق من الحرية.

رسموا لنا قهراً أن نبقى بين بديلين لا ثالث لهما، إما أن نختار الحزب الوطنى بسلطانه الممتد، وهيمنته على أجهزة الدولة، واستناده إلى بيروقراطيتها التاريخية، وإما أن نستجير من الرمضاء بالنار، فنفر إلى طريق بلا رجعة، حيث لا حرية ولا مكان للرأى الآخر، ولا مستقبل للديمقراطية، حاصرونا فى الممر الضيق، فإما أن نختار ما هو قائم الآن، كرهاً ورهباً، وإما أن نقتل الحرية بأيدينا، ونستسلم لمن يخططون لحكم العمائم وولاية أهل الفتوى والسمع والطاعة فى المنشط والمكره!!.

نحن ضحايا هذه الخدعة التى صنعتها الدولة بيديها وعلى عينيها، وتواطأت فيها الجماعة بجهلها وقلة حيلتها وهوانها على الناس، فصرنا بلا اختيار ثالث، وبلا حل بديل، فإما أن نرضى بما تتيحه لنا هذه السلطة القائمة بحزبها الكبير من هوامش للحرية، وسقف للمطالب، وخطوط حمراء فى الحركة، وإما أن ننتحر وطنيا وسياسيا ومدنيا بالقفز إلى معسكر الإخوان المسلمين، فتتبدل المصائر، وندير ظهرنا لحلم الدولة المدنية ونقدم جماجمنا فداء للفتوحات العسكرية، ونرفع المصاحف على أسنة الرماح، ونسخر الدين للسياسة والامبراطورية على نهج يزيد بن معاوية.

ما الذى دفع بنا إلى هذا الممر الضيق؟ ومن الذى تماكر علينا حتى صارت معادلته تلك هندسة للتكلس والجمود والحسرة على ما هو آت؟ من الذى أبدع هذه الهندسة السياسية الخبيثة التى تحفظ للسلطة مقاعدها الناعمة، وتحفظ للمعارضة مغانمها الرخيصة، وتمنح لجماعة الإخوان وساما زائفا وفق آلية (التمثيل المشرف) لكى تكون هى البديل الأوحد الذى لن يحل عليه الدور فى الحكم أبداً؟.. كل هذا الوطن التليد، بمجده الشامخ، وبشره الأطهار الموهوبين الأبرياء، حوصروا وراء أسوار هذه الخدعة كما حوصرت طروادة، وأصبحت بلادنا بين طريقين أحلاهما مر، وأنفعهما إثم، والصبر على كليهما خطيئة فى حق المستقبل.

المطلوب وفق هذه الهندسة السياسية الماكرة، أن نتوقف عن التفكير فى البدائل، إذ لا تنعم بلادنا بحزب يمكننا أن نطرحه بديلاً توفيقياًَ، يتبادل السلطة سلميا مع الحزب الوطنى الحاكم، والمطروح دائما هو تلك العصا الغليظة التى ندير لها ظهورنا خوفاً من العاقبة، وهى جماعة الإخوان المسلمين، المطلوب هو أن نستسلم لهذه الخدعة حتى ينعدم الإصلاح إلا من داخل الحزب الوطنى، ويستحيل التفكير فى بدائل إلا بين دائرة القيادة فى الحزب الوطنى، ويشق علينا الرهان على جيل جديد، إلا هذا الجيل الذى يقدمه الحزب الوطنى وتنجبه أمانة السياسات.

حتى هؤلاء المدنيين الديمقراطيين الذين يحلمون بدولة القانون والحريات والمساواة فى بلادنا، سقطوا كذلك فى فخ هذه المعادلة الخبيثة، سقطوا إلى الدرجة التى توقفت فيها شرايين الإبداع عن النبض خارج هذه الحوائط الضيقة، وصاروا يفكرون داخل الصندوق المغلق الذى ابتكره مهندسو السلطة، وداخل الأسوار التى ابتدعوها، فإما الحزب الوطنى أو الإخوان، إما الحزب الوطنى أو العمائم، إما الحزب الوطنى أو جماعات المطوعين فى الشوارع، إما الحزب الوطنى أو نهاية عصر هوامش الحرية، إما الحزب الوطنى أو الخراب والفوضى.

هذه المعادلة صارت كالماء والهواء فى الثقافة العامة لدى جيل كامل من أبناء الطبقة الوسطى وما دونها لحفنة من الأسباب: أولاً لأننا استسلمنا ببساطة إلى المدخلات التى فرضها صنّاع هذا المكر، وثانيا لأن كل التجارب الحزبية الكبيرة القائمة امتدت إليها يد المكر فى الداخل، فجعلتها على شفا جرف هار، فإما أن تستند إلى سلطان الدولة للبقاء، أو تنهار إلى هاوية سحيقة بلا رجعة، وثالثا لأن كل التجارب الحزبية المدنية الوليدة لفظت أنفاسها الأخيرة قبل أن تستكمل مراحل النمو الطبيعى إما بمكر آخر من أجهزة الدولة، أو لأن بنيان هذه المشروعات لم يتأسس على التقوى فصارت كمساجد الضرار لا يجوز فيها الصلاة ولا يستجيب الله من مآذنها للدعاء.

ضاقت إذن حتى استحكمت حلقاتها تلك المعادلة الغليظة، ويقينى أنها لا يمكن أن تنفرج من تلقاء ذاتها، إذ إن مهندسيها لا يزالون راسخين فى الحكم، وأطرافها لا يزالون مترفين بالغنائم، ولا أمل فى أن تهتز هذه الأسوار الضيقة إلا حين يقف الضحايا، أنت وأنا، لنتأمل كيف نقطع الخطوة الأولى نحو التغيير، ويقينى أيضا أنه لا يمكن التغيير إلا إذا تبدلت المدخلات التى فرضها صناع المعادلة، فإن كانوا قد رسموا كل شىء ليبقى البديلان القائمان (الحزب والجماعة) لا ثالث لهما، فإن التفكير ينبغى أن يذهب إلى البحث عن مظلة فكرية واجتماعية وسياسية تمهد الطريق أمام البديل الثالث، لا ينبغى العجلة هنا فى الرهان على حزب من هذه الكيانات القائمة، أو تيار سياسى من هذه التيارات السيارة التى تسبح فى أفلاك خارج المجرة المصرية، فنظنه وهما أنه البديل الثالث، فالهرولة هنا قد تعزز من ضيق هذه المعادلة، لأنها تخلق أبطالا من ورق ومؤسسات من قش نقطفها قبل موعد الحصاد.

البديل الثالث الحقيقى لن يكون عبر حزب سياسى، أو تيار أيديولوجى، أو جماعة منظمة من بين كل هذا الشتات القائم من حولنا، لكن البديل الثالث، فى يقينى، هو بالرهان على تغيير المعادلة السياسية التى تفرض هذا الجمود أولا، وتغيير هذه المعادلة يحتاج إلى عمل منتظم نحو توسيع قاعدة أنصار (فكرة الدولة المدنية)، بالترويج الفاعل لأسس الليبرالية السياسية وحكم القانون، مصر فى حاجة لأن تتشكل ملامح التيار الليبرالى المدنى فى فضاء الحياة العامة بدلا من حالة الاستحياء والتردد التى تسيطر على كوادر هذا التيار، تحت ضغط الأصولية المتشددة من جهة، وتحت خديعة ليبرالية الحزب الحاكم من جهة أخرى، ووهم الأحزاب الليبرالية الوليدة من جهة ثالثة.

يجب أن يسترد التيار المدنى الليبرالى مكانته المجتمعية قبل السياسية أولا، يجب أن ينزع أحجبة الاستحياء والتردد، ويجب أن يرسخ قيمه نحو الدولة المدنية بإرادته، ويجب أن يصنع ثوابته بنفسه ولنفسه، لا فى سبيل السلطة، أو بأوامر من السلطة، وما لم يتشكل هذا التيار ثقافيا واجتماعيا وفنيا وسياسيا، فسنبقى أسرى هذه المعادلة الضيقة الماكرة الرخيصة، وستبقى مصر عقيمة عن إنتاج فكرة مبتكرة نحو بديل ثالث، قادر على تداول السلطة، ينزع الخوف من الأصولية، وينزع الحرية من هذه البيروقراطية السياسية المسيطرة على السلطة، وصانعة المعادلات الماكرة. مصر والحرية من وراء القصد.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة