كانت ومازالت تستهوينى دوما تلك النوعية من الأفلام الهوليودية.. عن ذلك الوباء أو هذا المرض الذى ينتشر فى الأرض فيفتك بالبشرية.. ولا يتبقى منها إلا قلة قليلة ممن نجوا.. وتغلبت عندهم إرادة الحياة والبقاء على الوباء.. اليوم ونحن نمر بوباء آخر قد يتفوق على سابقة فى الفتك بالبشرية إلا من رحم ربى.. فلنذهب بالخيال بعيدا ونتجاوز حدود الزمن.. إلى ما قد تؤول إليه العلاقات الإنسانية فى زمن الأوبئة.. حيث تنتشر رائحة الموت فى كل مكان.. وتزكم أنوف أناس أسقمها الهم والغم والقلق وثقل الضمير.. فالحياة دوما عكس الأفلام.. لا تغادر فيها القاعة بعد كلمة النهاية.. وتحمد ربك أن هذا مجرد فيلم سوداوى دموى آخر!.. بل ليس للحياة نهاية إلا بالموت.. ولا تتعدد النهايات أو الاختيارات.
ولكن.. كيف تغدو الحياة فى زمن الأوبئة الفتاكة تلك؟.. فى أغلب السيناريوهات الموضوعة من العلماء عن نهاية العالم .. تجد أنه مع اختلاف سيناريو النهاية .. يتفق الناس على شئ واحد .. ألا وهو مثالية العلاقات !
فينتشر الود والتراحم بين الناس بشكل لا تصدق وجوده إلا إذا ما رايته بعينيك.. الكثير من التسامح والاعتذارات.. القليل من العداوات والنزاعات.. يغدو الحب هو أساس التعامل بين الناس..الحب, ذلك الإحساس اللعوب.. الذى قضت عليه الماديات.. فتصبح له الكلمة العليا فى تلك الأوقات.. إذ إنه من السخافة أن تضيع الباقى من عمرك فى عداوات فى غير ذات معنى.. من السخافة أن تستمر على نفس أخطائك وتعيد تكرارها بحماس منقطع النظير.. من السخافة وأنت على مشارف النهاية أن تجرح, تقسى, تغضب, تكذب, تخون.. وغيرها من نواقص البشر العديدة.
يصبح وقتها القرب من الله هو مسلك كل الناس.. تمتلئ المساجد بالمصليين ولا كأن كل الأيام تحولت إلى يوم الجمعة!.. تزاح أطنان الغبار من على القرآن الكريم أو غيره من الكتب المقدسة.. يقضى الناس أوقاتهم فى الدعاء والتضرع، وتذكر أن هناك ربا كريما يملك كل مفاتيح التوبة والرحمة.
يتزوج من يريد أن يتزوج .. فينتهى حينها الجشع من البنى أدمين.. وقد لا تزيد أسعار الشقق التى هى بمثابة كابوس بالنسبة للشباب اليوم.. عن ملاليم قليلة.. يختفى تعنت الأهل.. وتصبح حبيبتك فى متناول يديك بسهولة لا تصدقها أبدا إلى أن تجدها سيدة بيتك وأم أولادك.. هذا لو أتيحت لك فرصة الحياة حتى إنجابهم طبعا !
تنخفض الجريمة إلى أقل معدلاتها.. ويتوب الناس أخيرا إلى ربهم.. فمن سيجد البال الرائق للسرقة أو الاغتصاب أو القتل؟ .. ارتكاب المزيد من السيئات والمعاصى قد يُعد حينها ضرباً من الغباء البشرى.. قد تتواجد بعض الاستثناءات من الذين اعتادوا حياة الهلس.. فرأوا على طريقة – خربانة خربانة – أن التوبة لن تجدى نفعا معهم.. فيستمرون على حالهم وما اختاروه.. ولكن يستمر الحب هو العامل لاستمرار الحياة.. فى البرودة والمرض, فى الحزن والفرح.. فى السعادة والألم.. تغدو الآية الكريمة "وخلقنا لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعلنا بينكم مودة ورحمة".. حينها ذات معنى واضح وعظيم لكل الناس.. لأن تلك هى الفطرة التى خلقها الله علينا.. المودة والرحمة, ولكن نحتاج إلى ما هو أكثر من سماع تلك الآية أو غيرها من آيات القرآن الكريم.. نحتاج إلى الإيمان بها.. بأنه ليس بالضرورة أن تتواجد الخنازير بأمراضها حتى نتغاضى عن الصغائر السخيفة فى حياتنا.. نحتاج أن نعرف أن هذا الكون الفسيح قد خُلق لنتكاثر فيه ونعمره.. خُلق لنتأمل فى بديع خلق الله.. فى حسن تكوين الإنسان.. فى روعة وجمال العلاقات الإنسانية إذا ما كان الحب والتراحم هو أساسها وبناؤها.
قد لا يحدث هذا السيناريو السوداوى التشاؤمى.. وقد يحوى ما يحوى من مبالغة كبيرة.. ولكن بحدوثه أو بعدمه.. نحتاج أن نؤمن ونصدق أن الحب لا يجب أن يتواجد فقط فى زمن الخنازير..
• محرر فى مجلة كلمتنا.
