بعد أن أصدر أوليفيه روا كتابه "فشل الإسلام السياسى"، صدرت عدة كتب تناولت نفس الموضوع، ففى عام 2000 أصدر الباحث الفرنسى المتخصص فى الحركات الإسلامية، جيل كيبيل، كتابه "الجهاد: توسع الأصولية الإسلامية وأفولها وانحدارها"، وفى عام 2004 أصدر كل من "راى تاكيا" و"نيكولاس كى. جفوسديف" كتابهما بعنوان "الظل المنحسر للنبى.. صعود وسقوط الإسلام السياسى". والفكرة الأساسية التى كانت تدور فى هذه الكتب وغيرها هى أن ظاهرة الإسلام السياسى قد فشلت أو أنها فى طريقها إلى الفشل المحتوم فى العالم العربى والإسلامى، سواء بسبب عدم قدرة الإسلاميين على صياغة نموذج سياسى مقبول من المجتمعات التى يعيشون فيها، أو بسبب اتجاههم إلى ممارسة العنف كرد فعل من قبلهم على فشلهم فى المعترك السياسى.
إلا أن الأحداث أثبتت فشل هذه النظريات؛ حيث شهدت السنوات التالية لصدور هذه الكتب صعوداً كبيراً للإسلام السياسى فى المنطقتين العربية والإسلامية، فقد حقق الإسلاميون نتائج كبيرة فى مصر والكويت والبحرين وفلسطين والعراق، إضافة إلى تركيا، ولكن بدأ الحديث مرة أخرى عن فشل الإسلام السياسى على ضوء بعض التعثر الذى لحق بالإسلاميين فى العمل السياسى داخل العالم العربى فى عام 2007، وتمثل هذا التعثر فى فشل الإخوان المسلمين فى مصر فى الفوز بأى مقعد فى انتخابات مجلس الشورى، والمشكلات التى واجهت حركة حماس فى إدارة شئون الحكم فى الأراضى الفلسطينية، وأفضت إلى ما حدث من انقسام بينها وبين حركة فتح، وعدم قدرة حزب العدالة والتنمية فى المغرب على تحقيق النتيجة التى كانت متوقعة منه فى الانتخابات التشريعية مما أبعده عن الحكم، وخسارة حزب جبهة العمل الإسلامى فى الأردن فى الانتخابات العامة، وتراجع حصة الإسلاميين الجزائريين فى البرلمان مـن 81 مقعداً فى عام 2003 إلى 52 مقعداً فى عام 2007، إضافة إلى فشل الإسلاميين فى الكويت بالاحتفاظ بمقاعدهم فى مجلس الأمة.
هذه الأحداث هى التى أرجعت إلى الصدارة مرة أخرى الحديث عن فشل أو انحسار الإسلام السياسى، ولابد من القول إن تراجع ظاهرة الإسلام وهى ظاهرة لها جذورها الثقافية والدينية الراسخة فى مجتمعاتنا، لا يمكن أن تتم فجأة أو فى شهور قليلة، وإنما يحتاج الأمر إلى سنوات طويلة، ولكن الحادث فى العالم العربى أن ثمة انكساراً حاداً حدث فى منحنى الصعود للتيار السياسى الإسلامى، خاصة وأنه قد جاء بعد فترة قصيرة جداً من الصعود الكبير الذى حدث فى عام 2006.
وهذا يرجع تفسيره إلى:
أولاً: التدخل القوى من قبل السلطة حتى لا تمنح القوى السياسية الإسلامية أى فرصة لإحداث تأثير فى بلادها من خلال محاولة تنفيذ بعض آرائها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل إن حصاراً كبيراً فرض عليها لتعمد إفشالها وتجريدها من أى تأثير، مما أضعف ثقة المواطنين بالمرشح الإسلامى، وأما رفض انتخابه أو رفض العملية الانتخابية لأنها مشكوك فيها، ودليل ذلك أن مؤشرات المشاركة فى الانتخابات كانت أقل من الأعوام الماضية، حسب ما جاء فى تقرير بعض البلاد المعنية، وكان الحصار الذى فرض على حماس أكبر مثال لذلك.
الأمر الثانى: هو إذا كان الكلام عن فشل تيار معين، فيجب أن يكون النجاح من نصيب تيار آخر منافس أو قوى بديلة، إلا أن الحادث هو أن التيارات العلمانية تواجه أزمة كبيرة فى ساحة العمل السياسى والاجتماعى العربى، ونتائج العلمانيين والليبراليين فى الانتخابات التى أجريت فى أكثر من بلد عربى فى عام 2006 قد كشفت بوضوح عن ملامح هذه الأزمة. ماذا يعنى ذلك؟ يعنى أن التراجع الذى يتم الحديث عنه للإسلاميين لم يحدث ضمن صراع قوى سياسى بين تيارات لها حضورها، وكانت الشعوب هى الحاكم فى انتخابات نزيهة، وإنما تم بفعل فاعل فى انتخابات مشكوك بقوة فى نزاهتها، ومشكوك فى تمثيلها الحقيقى لرأى الشارع العربى، نظراً للانخفاض الكبير فى معدلات المشاركة فيها.
الأمر الثالث: إن الذى نظر إليه أصحاب نظرية "فشل الإسلام السياسى" لم ينظروا إلى الوجه المقابل، فقد كانت هناك العديد من مظاهر القوة والصعود؛ حيث صمد حزب الله اللبنانى أمام العدوان الإسرائيلى فى صيف 2006، واستطاعت حماس أن تصمد فى غزة، على الرغم من كل التوقعات التى أشارت إلى أنها سوف تنهار فى أيام أو أسابيع، كما حقق حزب العدالة والتنمية فى تركيا إنجازاً كبيراً بفوزه فى الانتخابات التشريعية للمرة الثانية وسيطرته على مؤسسات الحكم الثلاث: الحكومة والبرلمان والرئاسة بعد أن فاز عبد الله جول بمنصب الرئيس، هذا إضافة إلى تصدر مشروع برنامج "حزب الإخوان المسلمين" إلى واجهة المشروعات السياسية التى يمكن أن تؤدى إلى حل إشكالية العمل السياسى الإسلامى فى مصر.
وهنا يثير تساؤلاً مهماً هو: هل ما حدث للإسلاميين عام 2007 هو أمر طبيعى، أم هو نتيجة لسياسة إقصاء متعمدة شاركت فيها نظم الحكم والولايات المتحدة؟
أولاً: إننا لن نستطيع أن ننكر أن هامش الحرية الذى أخذته الحركة الإسلامية بعد11/9 كان نتيجة ضغط قوى من الولايات المتحدة، وقد استغلته قوى الإسلام السياسى أفضل استغلال، ولذلك رأينا هذا الصعود الكبير ولكن أعقبه هبوط لماذا؟
أن قوى السلطة فى العالم العربى قد أدركت خطورة هامش الحركة الذى تركته للإسلاميين تحت ضغط الولايات المتحدة، ولهذا تداركت الأمر بقوة فى عام 2007، وبدت أنها مستعدة لفعل كل شىء من أجل إقصائهم، وربما لم تكن مقدرة بشكل صحيح قوة التيار الإسلامى إلا أنها حينما لمست ذلك، بدأت فى التصدى للإسلاميين وإعادة تحجميهم مرة أخرى مهما كان الثمن.
أما الأمر الثانى: فهو إدراك الولايات المتحدة لخطورة سياسة الدفع بما يسمى "الإسلام المعتدل" لمواجهة الحركات التى تتبنى العمل المسلح كالقاعدة وغيرها بعد أن تمخضت هذه السياسة عن صعود كبير للإسلاميين على مسرح العمل السياسى، ولهذا حدثت المراجعة على الساحة الأمريكية لهذه السياسة، وتم التحول إلى دعم الاستقرار بدلاً من دعم الديمقراطية، خاصة بعد أن أصدرت بعض مراكز الأبحاث المحسوبة على اللوبى اليهودى فى أمريكا دراسات حاولت من خلالها إقناع دوائر صنع القرار بأن الإسلاميين كلهم سواء، وأنه لا مجال للحديث عن تيار معتدل وآخر متطرف.
ولكن هل هذا يعنى أن التيار الإسلامى لم يرتكب أخطاء، ولم يساهم فى بعض الانكسار الذى لحق به ونال من شعبيته بشكل أو بآخر، هذا يحتاج إلى شرح وتفصيل.
• باحث
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة