المنتخب فى اللغة هو الشخص المختار أو المجموعة من الأشخاص المختارين من الأخيار أو العناصر الجيدة، وأصبح حديثاً إذا أطلق اللفظ، فإنه يعنى الفريق الرياضى الذى يمثل بلداً أو نادياً والاختيار بين الأخيار شىء جيد نود لو أننا طبقناه فى كل مناحى حياتنا، كما هى الحال فى عالم الرياضة، فإن الاختيار غالباًَ يكون للأفضل فنياً ومهارياً وبدنياً، وإذا تخلف عن اللاعب شرط من هذه الشروط أصبح غير مؤهل، لأن يكون عضواً فى المنتخب ولا يحظى بشرف تمثيل بلده، نعم وددنا لو كان ذلك فى مواطن الجد من حياتنا، وأن يقودنا الأخيار أو العناصر الجيدة منا، لكننا فى واقع الأمر لا نجد ذلك إلا فى مجالات اللعب واللهو وقليلاً ما نجده فى واقع الجد.. لماذا؟.
لأن عالم اللعب الذى يشغل عقول الناس وقلوبهم لا ينبنى عليه تقدم أو تأخر للأمم إلا بقدر ما يتم الخداع فيه بقيادة العالم فى فنون اللعب واللهو وكأننا بذلك أصبح لنا الصولة والجولة والقدرة على تأمين غذائنا وكسائنا ومسكننا وقدرتنا على الدفاع عن أنفسنا وقيادتنا للعالم كما هو حال الأمم المتقدمة، لذلك فإننى أظن أن الأمم المتقدمة قد ابتكرت هذه الفنون للعب واللهو لتشغل الشعوب، وخاصة شعوب العالم الثالث، عن بلوغ مبتغاها من التقدم والرقى والازدهار لتدفع بها فى عالم سرابى من التقدم فى فن اللهو واللعب واللحاق بالأمم المتقدمة فيه.
ولأنه أيضا يشغل الشعوب عن ما قد تعانيه من تدنى فى الظروف الحياتية والمعاملة الكريمة والحصول على الحقوق بكافة أشكالها، هكذا كان يفعل قياصرة الرومان قديماً ليشغلوا الشعوب عن القضايا السياسية والاجتماعية الداخلية والخارجية، ينصبون لهم أياماً من اللهو واللعب من خلال ألعاب المصارعة، التى كانت تتم فى مدرج عظيم يحوى الآلاف المتفرجين يسمى الكولوسيوم، ومن ثم تنفق الأموال على هذه الألعاب ببذخ حتى تكتمل عملية الإلهاء وتصل إلى مبتغاها، فلا تجدك تمر على قوم علت مرتبتهم أو دنت إلا ولهم حديث واحد عن فوز الفريق أو هزيمته، والهدف الذى أحرز، والهدف الذى خاب واللعبة الجميلة، وتمتلئ وسائل الإعلام لتستكمل المشهد بتحليل ونقد أكثر من متمكن لفنون اللعبة وأسرارها وأبعادها.
والناس فى غمرة سكرتهم بهذا الأمر تجد لهم شغفاً غير عادى فى متابعة ما حدث وقراءة الخبر والتحاليل والنقد، الأمر الذى جعل وسائل الإعلام كافة تنتبه لذلك، فتفرد له الصفحات من خلال الصحف أو المساحات الإعلامية من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وقد يكون مرد ذلك إلى شعور الناس بقدر النقد الذى يوجه وقدر الصدق، الذى لا يجدونه فى باقى المناحى من حياتهم، والتى يغلب فيها الكذب والنفاق وعدم القدرة على نقد الأخطاء وتصويبها، فلعلهم بذلك يشفون غليلهم فيما يجدون من خلل ولا يستطيعون أن يصححوه أو يقوموه.
ولعل الناس أيضا يودون لو أنهم يرون لبلادهم تقدماً فى أى شىء ولو كان هذا الشىء هو اللهو واللعب، وذلك بعدما أصيبوا بحالة من اليأس والإحباط فى تصحيح واقعهم الأليم أو تحقيق تقدم فيما ينبغى أن يكون التقدم فيه، أو الوصول إلى سبق تبين مع الأيام أنه السعى وراء السراب وأن الهوة بيننا وبين الآخرين ما زالت بعيدة كل البعد وتزداد مع الأيام بعداً، فلعل فرصة تقدم ولو فى اللهو واللعب تبعث الأمل فى قلوبهم لإمكانية تحقق التقدم فيما أصابهم اليأس من تحقيقه، أو لعل الناس يودون أن يحققوا شعوراً بالفرح، ولو كان خادعاً فى ظل ما يعانون من حزن وهمّ يحيط بهم ويأسرهم فى كل وقت وحين.
قد يظن من مقالتى هذه أنى لا أعبء بالرياضة، ولكنى فى حقيقة الأمر أعبء بها كثيراً ولكن أى رياضة تلك، إنها الرياضة التى تبنى الشعوب وتعظم من قدرتها على العمل والإنتاج وتجعلها قادرة على توفير مجتمع يملك صحة وعافية وقدرة على حماية نفسه والصمود فى وجه الأخطار التى تتهدده، فيتحقق بذلك رفعة المجتمع وتقدمه وعزته ورفاهيته ونموه وازدهاره وهيبته وتحقيقه لكسب السبق بين الأمم، وليست الرياضة التى تشغل المجتمع عن ذلك كله، الرياضة التى تسمو بالأخلاق وتحض على مكارمها وترقى بالمجتمع وتضعه فى واجهة الصدارة بين الأمم وليست الرياضة التى تفرز سىء الأخلاق، الرياضة التى تبنى لا الرياضة التى تهدم، الرياضة التى تقربنا من الله لا التى تبعدنا عنه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة