خالد صلاح

الوزير الذى اعتدى على شرف امرأة ثم قفز إلى رأس السلطة.. والصحفى الكبير الذى باع حياته وزوجته من أجل كرسى رئاسة التحرير

كل هذا الفساد.. إذن.. احكى يا شهرزاد

الخميس، 02 يوليو 2009 10:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يجوز اختزال رائعة وحيد حامد ويسرى نصر الله فى فيلم (احكى يا شهرزاد) وتصنيفه تحت عنوان واحد باعتباره فيلما يناقش قضايا المرأة وطغيان المجتمع الذكورى، صحيح أن بطلات الفيلم هن من النساء المقهورات بصور مختلفة، لكن الأكيد أيضا أن الفيلم يتجاوز فى نصه البديع وإخراجه المفعم بالبساطة حدود هذه القضية النسوية على أهميتها القصوى، ويستخدم هذه التيمة ليفتح أعيننا على ما هو أبعد من ذلك من القهر والظلم والفساد والتخبط وغياب الهوية فى مجتمع ترتدى فيه النساء حجاب الرأس خوفا من أعين الناس لا خوفا من الله تعالى، ويتنازل فيه الرجال عن كبريائهم وكرامتهم وسعادتهم الزوجية قربانا فى سبيل السلطة، وسعيا لرضا أصحاب القرار وأهل الأمر والنهى، لا أملا فى عمل نبيل يحفر أسماءهم فى قلوب الناس وفى صفحات التاريخ.

الفيلم يقدم صورة عارية عن فساد رسمى وفساد اجتماعى يتجاوران جنباً إلى جنب ويتحالفان يدا بيد للانقضاض على شرف وعذرية وطن كامل، فى دولة لا يعلو فيها إلا حملة المباخر ومحترفو التزلف إلى السلطة، دولة لا يتبوأ فيها المناصب إلا هؤلاء الذين يجيدون الرقص أكثر على أنغام السلطة إرضاء لذوى البطش والقهر الذين يخفون وجوههم فى الظل، ويتهمون كل من يسلط النور على ملامحهم المخيفة وضمائرهم الخشنة بأنه متآمر على الاستقرار (يشوه سمعة مصر)، ويثير (الفتن والبلبلة بين الجماهير).

الفيلم لا يقدم قضية نسائية فحسب، لكنه يقدم نماذج لنساء يتقاسمن القهر مع وطن كامل، السيناريو يروى قصة هذا الرجل من صائدى ثروات النساء الأثرياء، ينتهك عذرية طبيبة أسنان شابة سليلة عائلة عريقة، ثم يساومها على شرفها وسمعتها بالمال لتفاجأ فى النهاية أنه صار وزيراً مرموقاً فى الحكومة، هكذا ينمو القهر من درجته الاجتماعية ليتحول إلى قهر سياسى عام، ينمو هذا الفساد من فوق جثمان شرف البنت لينقض على شرف أمة بأسرها.

والفيلم يقدم صورة تبدو متطابقة مع وقائع حقيقية أحيانا، عندما يروى قصة هذا الصحفى الشاب الذى يحلم بأن يجلس على كرسى رئاسة التحرير فى مؤسسة صحفية حكومية، هذا الصحفى يتنافس تزلفا ونفاقا للمسئولين عن صناعة القرار فى هذه المؤسسات الصحفية، يقدم القرابين فى معبد السلطة، حتى إن كان هذا القربان هو زوجته المذيعة المرموقة التى تتحدى السلطة بكلمة الحق، حرية زوجته وسعادته فى بيته وشرف الكلمة كانت كلها معان تثير السخرية أمام نفاق هذا الصحفى الطامح إلى السلطة، لا شىء يساوى متعة القرب من النظام والجلوس على كرسى رئاسة التحرير فى مؤسسة حكومية، وفى سبيل ذلك أطاح بكل شىء، داس على ضميره وانحيازه للناس، واختار المعسكر الآخر، حيث يطل على العالم من شرفة عالية ليرى مصر كلها تحت قدميه.

وإذا كانت السلطة فاسدة، والإعلام فاسدا، فما الذى يتبقى هنا سوى وطن مقهور برجاله ونسائه معا، يساوم فيه الرجال المرأة على الستر والزواج، تجهيز الشقة مقابل ظل رجل ينقذها من العنوسة، القهر فى كل شىء من حولنا، تتلحف المرأة بالحجاب خوفا من قهر شركائها فى العربة المزدحمة بالمحجبات فى مترو الأنفاق، ويبيع العم لحم أبناء أخيه من أجل جرعات الأفيون.

وحين اختار المبدعان وحيد حامد ويسرى نصر الله اسم الفيلم (احكى يا شهر زاد) كانت الرسالة واضحة، الحكى والبوح والإفصاح.. لا يمكن أن نتخلص من القهر بدون الإفصاح عن قصص هذا القهر من حولنا، ولا يمكن أن ننجو من الآلام النفسية والإنسانية والاجتماعية من دون أن نعلن ما يدور فى ضمائرنا، من دون أن نحتج ونصرخ علنا رافضين هذا الواقع القهرى، ومعلنين التحدى لكل شىء، وفى الفيلم كانت النساء يظهرن على شاشة التليفزيون يروين للمذيعة هبة يونس التى تجسدها النجمة الفنانة منى زكى، يحكين للناس ما تعرضن له بالتفصيل ليشكل هذا الحكى العلنى لحظة تحول أساسية فى حياتهن جميعا، لحظة للانتصار على القهر والظلم والمعاناة، لحظة لاستعادة الحياة مرة أخرى، وهن أكثر قوة وحسما وإصرارا على المواجهة.

المواجهة العلنية للفساد والظلم والقهر، المواجهة بالحقيقة، حتى إن كانت التفاصيل مؤلمة، وحتى إن كان الوجه مشوهاً، هكذا خرجت بطلة الفيلم فى النهاية بوجه مشوه على الناس تتحدى فيه القهر وتروى فيه قصتها مع الزوج والسلطة والقهر والفساد السياسى والإعلامى، خرجت بوجه تملؤه الجروح، لتبوح علنا بكل شىء أملاً فى النجاة.

الفيلم يدعو للبوح، للإعلان، للمواجهة بشفافية، يدعو للمصارحة وللديمقراطية والحريات، ويقدم كل هذه الأفكار النبيلة فى ثوب درامى يمنح الدفء والرسائل الخفية بلا خطابة أو تنظير سياسى أو معاملة السينما على طريقة المقالات الصحفية المطولة، والخطب البطولية العصماء.

انظر إلى كل هذه القيم الجميلة فى الفيلم، ثم انظر فى المقابل إلى هذه الحملة الشاذة والشاردة التى تعرضت لها نجمة العمل الفنانة منى زكى، كانت منى ضحية قهر مماثل كهذا الذى جسده أبطال فيلم (احكى يا شهرزاد)، كان هناك من لا يريد لرسالة هذا الفيلم الاجتماعية والإنسانية والسياسية أن تصل إلى الناس، فأرادوا تشويهه قسرا بادعاءات خارج السياق وخارج المنطق، وحتى خارج البناء الحقيقى لمشاهد الفيلم نفسه، ولم ترد فى هذا السيناريو الرفيع المستوى.

زعموا أن الفيلم تجاوز الخط الأحمر للجرأة، وتضمن مشاهد لا تليق بمنى زكى، ثم كانت الحقيقة أن الفيلم برىء من هذه الحملة المصطنعة التى تعمدت إعلان الحرب على العمل ونجومه منذ اللحظة الأولى، تعرضت منى زكى لحملة كبيرة من التشهير المنهجى كجزء أساسى من هذه الرغبة الجامحة، (لجهة ما..!!) أو (لجهات ما..!!) أو (تيارات ما..!!)، فى حرمان الناس من رسالة الفيلم الأصلية، وكل من شاهدوا الفيلم أدركوا أن الحملة على منى تم تخطيطها عمداً للإساءة السابقة التجهيز، بلا معنى أو عقل أو حقيقة، إنه القهر الذى سجله وحيد حامد فى هذا السيناريو الرائع.. إنه الطغيان الأعمى على القيم وعلى الحقائق، فى مجتمع يتجاور فيه الفساد الاجتماعى والسياسى جنبا إلى جنب.

هكذا حياتنا.. ولا نجاة إلا بالبوح والإفصاح والكلام والحكى والشفافية والحرية ومقاومة القهر فى كل وقت وفى كل مكان.
شكراً لصناع الفيلم.. الرسالة وصلت!!

هوامش
◄وحيد حامد
أشهر كاتب سيناريو فى مصر، ولد فى 1944، اشتهر بالعمل مع عدد من المخرجين العظام أمثال: سمير سيف، وشريف عرفة، وعاطف الطيب.. له العديد من الأفلام أهمها البرىء، الراقصة والسياسى، معالى الوزير، الإرهاب والكباب، سوق المتعة، عمارة يعقوبيان، دم الغزال، وبجانب ذلك كتب العديد من المجموعات القصصية ،مثل «القمر يقتل عاشقه»، وحصل على عدد من الجوائز: جائزة مصطفى أمين وعلى أمين عن فيلم البرىء عام 1986، جائزة الدولة للتفوق فى الفنون من المجلس الأعلى للثقافة، عام 2003 وحصل مؤخراً على جائزة الدولة التقديرية فى الفنون.

◄يسرى نصر الله
ولد فى القاهرة عام 1952، ودرس الاقتصاد فى جامعة القاهرة، ثم درس السينما فى المعهد العالى للسينما، عمل كناقد سينمائى فى صحيفة «السفيـر» اللبنانية، كما عمل مساعد مخرج مع يوسف شاهين فى فيلمى وداعا يا بونابرت، وحدوتة مصرية 1981.
شارك مع يوسف شاهين فى كتابة سيناريو إسكندرية كمان وكمان 1989 وفى إخراج «القاهرة منورة بأهلها» 1991، أخرج فيلمه الروائى الطويل الأول «سرقات صيفية» سنة 1990 والثانى مرسيدس سنة 1993 وفيلمه «باب الشمس» 2004 وآخر أعماله كان جنينة الأسماك 2008.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة