بعد مرور عامين من تولى تونى بلير مهام منصبه كمبعوث خاص للجنة الرباعية فى الشرق الأوسط فى سبتمبر 2007، يتسائل الجميع ـ بدءا من الفلسطينيين ـ عما يفعله حقا بلير فى الملف الفلسطينى الإسرائيلى. فهو لم يزر قطاع غزة سوى مرتين، وحتى فى المرة الأولى عاد أدراجه على الفور نتيجة توصيات ملحة من السلطات العليا الإسرائيلية.
تعقيبا على زيارته الأخيرة لمدينة نابسل لتونى بلير، انتقدت صحيفة "لوموند" فى عددها الصادر اليوم موقفه من الملف الفلسطينى الإسرائيلى، فهو ليس سوى مراقب للأحداث، من دون أى يكون له أى تحرك إيجابى.. بل ومن دون أن تكون له رغبة حقيقية فى الأساس للعب أى دور إيجابى.
تعدد الصحيفة فى البداية التصريحات التى صدرت عن تونى بلير بعد زيارته لمدينة نابلس وابتسامة الارتياح بادية على وجهه، والتى تبتعد فى الواقع كل البعد عن حقيقة الأوضاع الصعبة التى يعيشها الفلسطينيون. فقد كانت محصلة زيارته هى الثناء على الجهود الكبيرة المبذولة من قبل السلطة الفلسطينية لضمان الأمن.. والترحيب بالتعديلات التى أدخلتها السلطات الإسرائيلية على حرية الحركة للفلسطينيين من خلال إزالة بعض نقاط التفتيش.. ومدح التقدم الذى أحرزه الاقتصاد الفلسطينى فى الضفة الغربية.. والإعراب عن سعادته لقرار بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، بإزالة العقبات الإدارية لدفع مشاريع المناطق الصناعية فى أريحا وجنين وبيت لحم، حيث كانت الأعمال متوقفة منذ أكثر من عامين..
أى أن تونى بلير يرى أن الأمور تتحسن وتشهد تغيرات عملية، ولكن بخطوات صغيرة. وهو الانطباع السائد دائما لدى بلير، الذى كان من المفترض أن يتمثل دوره منذ البداية فى تهيئة مناخ من الثقة المتبادلة بين الطرفين، وهى العبارة التى لا يمل بلير أبدا عن ترديدها: "يجب خلق الأسس اللازمة لإقامة علاقات من الثقة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، لأن الأمر يتعلق بأزمة الثقة وبالنوايا الحسنة".
بيد أن هذه الثقة لا تزال غير متوفرة، كما تشير الصحيفة. وهو ما يعكسه كل من فشل عملية أنابوليس التى أطلقت فى نوفمبر 2007، والتى كان ينبغى أن تؤتى ثمارها فى 2008، والحرب التى عاشتها غزة لمدة ثلاثة أسابيع فى مطلع هذا العام زادت من تفاقم الانقسام فى الأراضى الفلسطينية، وكذلك رفض إسرائيل مطالب باراك أوباما بتجميد الاستيطان فى الضفة الغربية.
وتضيف الصحيفة أن ما يقوم به فعليا تونى بلير هو الاجتماع مع الأطراف الرئيسية فى الصراع، لكنه يتهرب من التطرق لأى من القضايا السياسية. فهو ليس سوى مراقب للأحداث، من دون أى تحرك إيجابى.. بل ومن دون أن تكون له رغبة حقيقية فى الأساس للعب أى دور إيجابى.. وهو لا يبدى احتجاجه مطلقا على أى شىء.. وعلى الرغم من أنه لا يأتى إلا بضعة أيام فقط، إلا أنه يحتل، منذ ما يقرب من عامين، طابقا بأكمله فى أفضل فنادق القدس الشرقية.
تؤكد الصحيفة أن مهمة بلير أصبحت أشبه بالوهم، وبات غير قادر على التأثير فى مسار الأمور، وذلك على الرغم من الآمال والطموحات التى كانت تحملها فى البداية تلك المهمة، والتى حددها له فى رسالة مفتوحة وزراء خارجية الدول المتوسطية العشرة فى الاتحاد الأوروبى، فى أربعة أهداف هى: "منح أمل فى التوصل إلى حل سياسى حقيقى لشعوب المنطقة.. الأخذ فى الاعتبار الاحتياجات الأمنية لإسرائيل.. الحصول من إسرائيل على تأكيد باتخاذ تدابير ملموسة وفورية لصالح محمود عباس، خاصة تجميد الاستيطان وإخلاء المستوطنات العشوائية، فقد بات الوقت متأخرا للغاية لأى نوع من المماطلة من جانب إسرائيل.. وأخيرا عدم دفع حماس للمزايدة، الأمر الذى يعنى إعادة فتح الحدود مع مصر وتسهيل العبور بين غزة وإسرائيل". وأضاف الوزراء: "إن هذه الأهداف الأربعة فى متناول أيدينا. وهى بالفعل تعد فرصة تاريخية، قد تكون الأخيرة".
تخلص الصحيفة إلى أن تونى بلير مقتنعا بأن الصراع الإسرائيلى الفلسطينى إنما هو "رحم" التوترات فى الشرق الأوسط. وهو لا يزال يتحدث عن الأمل، دون أن يعطى الانطباع بأنه أصبح عنصرا فعالا فى عملية السلام.
وعندما يسأله أحد حول مستقبله فى المنطقة، يتهرب دائما من الإجابة مازحا. فهو حتى تلك اللحظة، ليس فى مقدوره على ما يبدو فعل المزيد. إذ إنه ربما فى انتظار الحصول على جواب بشأن رغبته فى رئاسة الاتحاد الأوروبى، الذى يعد اليوم وأكثر من أى شىء آخر أكبر طموحاته.
"لوموند" تنتقد موقف "بلير" من الملف الفلسطينى الإسرائيلى
الأحد، 19 يوليو 2009 03:05 م
تونى بلير مبعوث خاص للجنة الرباعية فى الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة