حين أقول إن فن الشعر يوجد داخل النص الشعرى؛ فبالتأكيد سيكون هذا الشعر هو ليس اللغة؛ لأنه لو كان الفن الشعرى هو اللغة لما احتجنا إلى أن نسميه الفن الشعرى لسميناه اللغة وكفى، والفن الشعرى ليس هو الفكرة أو الأيديولوجيا.. لبحثنا عنه فى كتب المؤرخين والفلاسفة ورجال الفكر ولم نطلب هذا الشئ فى قصائد الشعراء..
ولو كان الفن الشعر شيئا من الأخلاق، من السياسة، من التصوير بالطبيعة؛ لقلنا أيضا نفس المقال بأن الفن الشعرى ليس هذا منه بشىء، الفن الشعرى هو حركة داخل النص الشعرى حركة جدلية تقع بين طرفين، ويمكن أن تشبه هذه الحركة بتشبيه من خارج الشعر لندخل بعد ذلك إلى القصيدة.. حين تكون أنت فى غرفة وفيها نافذة تطل على حديقة سترى من خلال النافذة الأزهار والأطيار وربما السماء والغيوم وأشياء كثيرة، تراها من النافذة، ففى هذه الحالة أنت لا تنتبه إلى النافذة وإنما تنتبه إلى ما وراء النافذة لتكون قد اخترقت النافذة إلى ما ورائها، وحين تكون فى أتوبيس أو ميكروباص فى يوم شتائى مضبب تجد أن الضباب يمنعك من رؤية ما وراء الزجاج وتظل مشغولا به ففى هذه الحالة تكون أنت اكتفيت بالسطح الظاهر للزجاج ولم تخترقه لما ورائه..
فى الفن لوحات فنية مزخرفة، خطوط وألوان، لا تجد وراء هذه الخطوط والألوان شيئا، تبقى أنت على سطح هذه اللوحة ستشعر بشكلها فقط.. وحين ترى الصور الفوتوغرافية التى التقطها يوما ما فى معسكرأو رحلة ما؛ تشعر بأن هذه الصورة لا تنقلك إلى المضمون السابق.. فى الشعر نفس الحالة هناك قصائد تشدك إلى السطح.. فتنشغل بالوزن وبالكلمات وبالصور ولا تجد ما وراءها ففى هذه الحالة تكون القصيدة أحادية الجانب وتكون القصيدة شكلية ليس وراء شكلها شىء وبعض القصائد تنسب شكلها وتنقلك إلى ما ورائها..
هناك قصيدة تتحدث عن امرأة جميلة تنسى شكل القصيدة.. وتتذكر المرأة.. الضفائر..القوام.. السيقان.. الفستان.. أى شىء من ذلك، قصيدة تتحدث عن المقاتل تنظر إلى السلاح.. الخندق.. النار..اللهيب.. إذن القصائد الفنية هى التى تجعلك تتردد بين الشكل والمضمون.. تجعل هنالك جدلية بحيث تنظر إلى الشكل مرة ثم تعود مسرعا مع الألفاظ مع الموسيقى تنظر إلى الواقع مرة ثم تعود مع الموسيقى مع الألفاظ مع الصورة مع الشكل.. وهكذا إلى أن تنتهى القصيدة وأنت بين ذهاب ومجىء.. بين السقوط فى الواقع وبين العودة إلى الشكل هذه الجدلية هى أبسط أنواع الفن فى الجدلية، فهناك شعراء على موقع اليوم السابع يحققون هذه الجدلية.
