كل ما يردده عم محمود حسن 49 سنة: «الحمد لله.. أهى عيشة والسلام» يمشى فى الطرقات لكى يرفع عن كاهلها ما يشوه منظرها، يأتى من قريته «ناى» وهى إحدى قرى محافظة القليوبية عندما تغيب الشمس عن القاهرة، ثم يغادرها بعدما تعود الشمس إلى سيرتها الأولى، لكنه يترك كل ما مر به أفضل مما كان.
رجل بسيط لا يملك لنفسه هو وعائلته المكونة من سبعة أفراد غير الـ 300 جنيه التى يتقاضاها أول كل شهر من الشركة التى يعمل بها وتتولى نظافة بعض أحياء القاهرة.
عم «محمود» مثل الكثيرين فى المحروسة، الذين لا يلتفتون لتعقيدات الحياة ومستجداتها، ولا يهتمون بصخب السياسة ولا السياسيين وصراعات المعارضة، فالكل عنده سواء يتفقون ويختلفون ويتصارعون فى عالم بعيد عنه، هو بالكاد يسمع عن أنفلونزا الخنازير وهذا شىء لا يقلقه لأن «العمر واحد.. والرب واحد» على حد قوله، لكنه لا يعرف شيئا عن مخاطرها، ولا طرق الحماية منها.
عم «محمود» بجنيهاته العشرة فى اليوم، لديه من الأولاد ستة، ثلاثة ذكور ومثلهم من الإناث، لو أصابه بعض الإعياء وتخلف عن العمل يوما واحدا يخصم من راتبه ما يعادل اليومين، وهذا فى حسابات شركة النظافة ما يعادل 50 جنيها، ليستقر فى يد عم «محمود» فى أواخر الشهر 250 جنيها لكى يطعم ويكسى ويعالج أبناءه ويقوم بتجهيز بناته التى أشرفت إحداهن على الزواج.
«ما ليش بيت.. وأولاد الحلال بنوا لى بيت فى البلوك مكان بيت أبويا بعدما تنازل أخى الوحيد عن نصيبه لى».. هذا ما قاله عم «محمود» فهو لا يملك من إرث الأرض غير مساحة صغيرة كان عليها بيت أبيه المعدم المتهالك، لكنه يحمد الله على نعمته حيث إنه يصلى فرض الله فى وقته وينام دون عداوة أو خصومة بينه وبين أحد من الناس، على حد قوله، فهو يشعر أنه سقط من حسابات الحكومة والمسئولين، ويتلعثم فى الكلام وكأن الكلمات قد تبعثرت من فوق لسانه إذا تذكر مهمة تجهيز ابنته العروس، والتى لا يملك من نقوده شيئا: «فالمرتب يادوب محافظ على حياة أولادى من الموت»، لكنه رغم كل هذا لا يقول إلا: «الحمد لله، رضا».
ممكن أموت على أهون سبب.. وأنا بكنس الشارع بسبب الشباب اللى بيجروا بالعربيات زى الصاروخ» هذا ما علق به عم «محمود» عن الأشياء التى تقلقه، فالعاملون فى هذا المجال يتعرضون لعدد من الأمراض والأخطار خاصةً أثناء وردية الليل، ويعمل عم محمود من 11 مساء حتى السابعة صباحا، ومن الممنوعات عليه أن يجلس أو يركن ظهره على أى شىء يقابله ليستريح، وأثناء حديثنا مرت بنا سيارة النظافة منطلقاً منها صوت أحد زملائه محذراً إياه من التوقف عن الكنس!
ومع تزايد الفجوة بين العاملين فى الشركات القائمة على نظافة الشوارع والأحياء الراقية، وبين «الزبالين التقليديين» فى الدخول، والتى يصل معدل دخل الزبال فيها إلى ألف جنيه شهرياً، يتمنى عم «محمود» أن ينضم إلى فئة الزبالين المتطورين ليحسن من دخل أسرته ، لكنه يعلم أن هذا مستحيل خاصةً بعدما ضعفت صحته وقلت عافيته.
سقط سهواً من حسابات الحكومة ولا يجد من يعيده إليها
منين ما يمشى.. الشارع ينضف.. لكن هموم عم محمود كتير:إزاى 10جنيه فى اليوم يكفوا أكل وشرب ودوا جنب جهاز البنات?!
الجمعة، 17 يوليو 2009 12:36 ص
عم محمود يكنس الشوارع والهموم تكسوه