الرسالة الصادمة التى وجهها الدكتور هانى هلال لموظفى أكاديمية البحث العلمى حينما قال لهم بالحرف الواحد أثناء اجتماعه معهم الأسبوع الماضى لإثنائهم عن الاعتصام «أنا متأكد إن عدد كبير منكم مالهوش لازمة» فتحت ملف معارك وزير التعليم العالى والدولة للبحث العلمى التى خاضها طوال 4 سنوات كاملة مع الأساتذة والطلبة والموظفين.
هانى هلال، حالة صارخة من طقس اختيار الوزارات التكنوقراط الذين يفتقدون الحس السياسى، والذين يتعاملون فى إدارة وزارته بمفهوم نظرية التعامل بين أستاذ الجامعة والطلبة فى المدرجات وقاعات المحاضرات، والتى يجب على الطلبة أن يتلقوا كل ما يلقنهم به دون مناقشة، ومن هذا المبدأ زادت أزمات «هانى هلال» وانتقلت مؤخرا من خانة العام إلى «الشخصنة» بداية من معركته الصاخبة مع أساتذة 9 مارس، ومرورا بأعضاء هيئة التدريس ونواب البرلمان وطلاب معهد الطاقة بأسوان وطلاب المدن الجامعية وهانى الناظر وباحثى المركز القومى للبحوث وانتهاء بموظفى وزارة التعليم العالى.
استراتيجية هانى هلال فى العمل تقوم على الصدام، فهو يرى أنه أفضل حل للإصلاح بغض النظر عن هوية من سيصطدم به ودرجته العلمية ودون انتباه لعدد من سيصطدم بهم، يستخدم «هلال» مصطلحات وقعها غريب على أذن العامة والتى لم يتوقعوا أن ينبس بها «وزير» فما البال إذا كان هذا الوزير يحمل حقيبة وزارة التعليم العالى، مثل «أنا ما بخافش من حد ومافيش حد يقدر يهددنى عشان أنا مابعملش حاجة غلط».. وهو المصطلح الذى استخدمه هانى هلال فى معركته مع أعضاء حركة «9 مارس» لاستقلال الجامعات حول مشروع ربط زيادة رواتب أعضاء هيئة التدريس بجودة أدائهم.. وهو المشروع الذى عارضه الأساتذة واعتبروه محاولة للتنكيل بهم وهز صورتهم أمام رأى العام، ومع كل ذلك لم يثن الوزير عن القول بأن عضو هيئة التدريس الذى يطلب زيادة راتبه لابد أن يخضع لاختبار ومن يرفض فعليه أن يجلس فى منزله «ويقشر توم وبصل أحسن من التدريس».
نفس نظرية الصدام التى عبر عنها هلال ذات يوم بقوله «أنا صعيدى ودماغى ناشفة» هى التى دفعته لخوض معركة ساخنة مع نواب البرلمان الذين طلبوا تحويل مسمى معهد الطاقة العالى بأسوان إلى كلية الهندسة والتكنولوجيا، وهو ما رفضه هلال بشدة مما زاد من إصرار النواب على مطلبهم بحجة أنه لا داعى للتعنت مع الطلاب الذين كانوا وقتها معتصمين أمام مجلس الشعب.. هنا وقف هانى هلال وصاح «سأنتحر لو تم تحويل مسمى المعهد إلى كلية لأن الاسم الذى اخترتموه بدعة وتأليف لا وجود له فى أى دولة فى العالم و إذا رأيتم أن تبتدعوا هذه البدعة فابتدعوها بعيدًا عنى».
تهديد أى وزير بالانتحار أمر يثير الدهشة ويكشف -كما يصفها علماء النفس- ضعفا فى شخصية المسئول، خاصة أن الوزير يملك القرار، وفى حالة عدم تنفيذ قراره فإن عليه مغادرة مقعده وليس مغادرة الدنيا بالإقدام على الانتحار.
هذا المبرر دفع النواب إلى التأكيد على أن وزير التعليم العالى يقوم بتسييس القضية ويتحدى نواب البرلمان الذين كان لهم معه معركة سبقت أزمة معهد الطاقة.. وقتها استغل نواب البرلمان زلة لسان وقع فيها هلال بوصفه إسرائيل بأنها الدولة ابنة العم أو ابنة الخال كناية عن قربها الجغرافى- والتى يجب على مصر أن تستفيد منها فى مجال البحث العلمى هى وباكستان.
وقتها قدم النواب أسامة جادو وصبرى عامر ورجب أبو زيد وعلى لبن والدكتور جمال زهران احتجاجا بالبرلمان طالبوا فيه الوزير بالاعتذار وأن يطلق على إسرائيل لفظ العدو الصهيونى، وانتقدوا مساواته بين إسرائيل وباكستان عندما أطلق عليهما الوصف السابق نفسه، فلا ينبغى المقارنة بين العدو ودولة مسلمة.
هانى هلال دائم الوقوع فى «زلات اللسان» فلا ينسى له طلاب الجامعات أنه قال لهم «هو أنا خلفتكم ونسيتكم» حينما سألوه فى معسكر أبوبكر الصديق بالإسكندرية عن سبب الارتفاع المتوالى فى المصروفات الجامعية فدخل فى حوار مع أحد الطلاب بدأه بقوله «كل حاجة بتزيد، شوف كيلو اللحمة سنة 2002 كان بكام ودلوقتى بكام؟ يا سيدى بلاش اللحمة، شوف تذكرة الأتوبيس كانت بكام؟»، فعلق طالب آخر «اشمعنى معاش الضمان الاجتماعى اللى بتاخده أسرتى وقف عند 80 جنيه، ومازادش من أكتر من 10 سنين؟!» هنا انفعل هلال وقال «الطالب يسدد 75 جنيها شهريا ليسكن فى المدينة وهو يتكلف فعليا 575 جنيهًا تتحملها عنه الدولة».. ليعلق أحد الطلاب: «طيب يا سيادة الوزير إدونا إنتم فلوس، وإحنا ناكل بره، فرد الوزير «طيب أنا عندى اقتراح، اسكنوا بس، وكلوا براحتكم بقى.. تاكلوا جاتوه، تاكلوا لحمة، تاكلوا فول، كل واحد ومقدرته».. وهنا انبرى أحد الطلبة بلهجة حادة: «إنت بتهددنا يا حضرة الوزير لأن ده حقنا.. إحنا لنا حق فى إيراد الغاز، وفى إيراد قناة السويس والحكومة مش بتجبّى علينا بالدعم ده، ده التزام عليها».. فقال الوزير «أدعوكم لمقاطعة الكتاب الجامعى وعدم شرائه أصلا عشان توفروا».. هذا الحوار الطويل يكشف بجلاء شخصية الدكتور هانى هلال.
وبعيدا عن سقطات اللسان لا يتمتع هانى هلال بأى شعبية أو تعاطف.. ظهر ذلك واضحا فى معركته الأخيرة مع الدكتور هانى الناظر رئيس المركز القومى للبحوث الذى استبعده الوزير من الحصول على جائزة الدولة التقديرية فى العلوم بعدما رشحه كل أعضاء اللجنة المانحة للجوائز، التى تضم فى عضويتها 9 هيئات علمية، لمجهوداته العلمية التى لا ينكرها أحد، تلك المعركة كشفت كيف يشخصن هلال معاركه.. فلا يخفى على أحد أن خلفيات الصراع تعود إلى 3 سنوات سابقة حينما تولى هانى هلال مهام منصبه كوزير للتعليم العالى والبحث العلمى رغم أن مؤشرات المنصب كانت تتجه لترشيح الناظر لذات المنصب.. فأضمرها هلال فى نفسه لأنه طوال الوقت يخشى شبح الناظر ثم كانت المفاجأة باستبعاد رئيس المركز القومى للبحوث من جائزة الدولة التقديرية للعلوم.
ثم كانت المعركة الأخيرة لهانى هلال مع موظفى البحث العلمى الذين هتفوا «مش عاوزينكم» إشارة إلى الوزير ورئيس أكاديمية البحث العلمى، ليرد هلال: «ناس كتير منكم مالهومش لازمة وما بيعملوش حاجة ورغم كده مش هنستغنى عنكوا بس طوروا نفسكوا».
لمعلوماتك...
◄2005 اختير هلال وزيرا للتعليم