ياسر أيوب

مروة لم تستحق مصيرها.. ولكننا كلنا نستحق هواننا عليهم وعلى أنفسنا

الخميس، 16 يوليو 2009 01:50 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
(1) أمة تحتاج دروسا فى الغضب
ليس من المهم ماذا تريد الآن.. وسواء كنت تريد الغضب أو الحب أو الحلم أو الجنون أو الفرحة أو البكاء.. فالمهم والضرورى جدا أن تريده وأن تمارسه بالشكل الصحيح.. ونحن بالتأكيد غاضبون من أجل مروة الشربينى.. ولكننا كالعادة غضبنا دون أن نعرف لماذا نغضب.. وغضبنا دون أن نتعلم كيف نغضب.. وكانت النتيجة كومة هائلة من المغالطات والأخطاء والفوضى.. فوضى المشاعر وفوضى الكتابات والظنون والشكوك والاتهامات.. وأول مظاهر تلك الفوضى هو لماذا كل هذا الغضب الآن من أجل مروة.. هل لأنها مسلمة أم لأنها مصرية.. ولو كان الأمر كذلك فلماذا لا نمارس نفس هذا الغضب حين يموت أى مسلم أو أى مصرى وبنفس الظروف ونفس القسوة والمعانى والدلائل التى كانت ظاهرة فى مشهد موت مروة الشربينى.. فمروة ليست الأولى وقطعا لن تكون الأخيرة.. وكثير من المسلمين ومن المصريين ماتوا.. أو قتلوا.. فى أوروبا والولايات المتحدة.. ولم نغضب بل وأحيانا لم نهتم ولم نلتفت لا لمن مات ولا للذين قتلوا هناك واحدا منا.. وإذا كان الكثيرون هنا.. وأنا واحد منهم.. قد أزعجهم وأغضبهم وأبكاهم.. مشهد مروة وجسدها المسكون بطعنات الغضب والكراهية.. فلماذا لم أجد أى غضب أو انزعاج ونحن نشاهد ونقرأ ونعرف حكايات مسلمين ومصريين كثيرين مثلنا يموتون ويقتلون كل يوم هنا فى بلادنا.. وبعدد أكثر من الطعنات ومساحة أكبر من الدماء ودلائل أكثر على الهوان وفقدان الكرامة والكبرياء وكل الحقوق.. فهل المسلم أو المصرى الذى يموت فى ألمانيا.. أهم وأقيم وأغلى من المسلم والمصرى الذى يموت فى مصر.. هل مشاعرنا باتت بمثل هذه البلادة بحيث تنتقى على من تحزن وممن تغضب.. وهل أصبحنا فى قرارة أنفسنا نثق بأنه ليس كل المسلمين أو المصريين سواسية.. أو أننا أصبحنا شعبا انتقائيا تقوده المصادفة ولم يعد يعرف كيف يمارس الحزن أو الغضب بشكل حقيقى وعادل ومنطقى ومفهوم.

والملاحظة الحقيقية هى هذا الذى نريده الآن من ألمانيا.. شعبا وحكومة ومؤسسات وأفرادا.. فمن المؤكد أننا لا نعرف ماذا نريد.. بعضنا يطالب بقطع العلاقات مع ألمانيا.. وبعض آخر يريد الانتقام لمروة من كل ما هو ألمانى.. وبعض ثالث يسعى بكل الطرق لتنظيم مظاهرات الرفض والغضب كل يوم أمام مقر السفارة الألمانية فى حى الزمالك بالقاهرة.. وأمام ذلك اضطرت السفارة الألمانية لتنشر يوم الجمعة الماضى.. ولأول مرة فى تاريخ الدبلوماسية الألمانية.. نشرت السفارة الألمانية نعيا لمروة الشربينى على أربعة أعمدة فى صفحات الوفيات بجريدة الأهرام مع دعوات بأن يسكنها الله فسيح جناته.. وسبق النعى اعتذارات ألمانية من المستشارة أنجيلا ميريكل ومن عدد من الوزراء الألمان فى مقدمتهم وزيرا الخارجية والداخلية فى الحكومة هناك.. ولم نرض نحن ولم نقبل بكل ذلك.. لم يكفنا كل هذه التعازى وكل تلك الاعتذارات.. ولا نزال نطالب بالقصاص من كل ما هو ألمانى.. مع أننا فى حوادث كثيرة مشابهة وقعت فى بلادنا.. سواء فى معبد الأقصر أو المتحف المصرى بالقاهرة أو المشهد الحسينى.. قدمنا للألمان واليابانيين والسويسريين والفرنسيين وغيرهم اعتذارنا واعتبرنا أن هذا الاعتذار وحده كافيا لإغلاق أى ملفات قد تمتلئ بالحساسية والأشواك.. ولم نقبل أن يتهمنا الإعلام الأوروبى أو العالمى بأننا شعب متطرف وإرهابى يكره الغرباء والأجانب وقلنا إنها حوادث وحالات تخص أصحابها ولكنها لا تخص الإسلام ولا تخص المصريين.. ولم نكن لنقبل أن يتظاهر الألمان بعد جريمة الأقصر أمام السفارة المصرية فى برلين أو يتظاهر الفرنسيون فى باريس أمام السفارة المصرية وهم يرفعون صور الفتاة الفرنسية البريئة المسالمة التى كانت فى أحد مقاهى الحسين واغتالها تفجير قنابل الإرهاب والتطرف.. وفجأة.. وبعد حادث مروة الشربينى.. أصبحنا نطالب الألمان بما لم نطلبه أبدا من أنفسنا.. ونتهم الألمان بما لم نتهم به أنفسنا.. وكان ذلك مجرد مظهر آخر لعدالتنا المزدوجة ومفاهيمنا المضطربة والمشوشة.. وليس هذا فقط.. بل إنه فى غمرة اهتمامنا المفاجئ بالجريمة التى راحت ضحيتها مروة الشربينى.. وحديثنا الطويل عن الإسلام وعن الحجاب الذى ماتت بسببه مروة.. لم ننتبه إلى عديد من الحقائق الواضحة والظاهرة.. فليست كل محجبة فى أوروبا مهددة بالقتل.. أو ممنوعة من الحياة.. وأعتقد أن مسلمات كثيرات يسافرن كل يوم من مصر إلى أوروبا.. وإلى ألمانيا أيضا.. ولم تشعر أى واحدة منهن أنه غير مرغوب فى وجودها أو أنها يجب أن تبقى وراء أبواب مغلقة وأسوار عالية ولا تنزل إلى الشارع أو تمشى وسط الناس حتى لا تموت.. وفى بلجيكا قرر مجلس الدولة كأعلى سلطة قضائية هناك حكما بإلغاء فصل مدرسة محجبة وأكد القضاء أن غطاء الرأس لن يمنع المدرسة من ممارسة وظيفتها وأداء واجبها.. وأظن أن كثيرات هنا فى القاهرة نفسها يحتجن لحكم مجلس الدولة البلجيكى للدفاع عن وظائفهن وحقوقهن وحياتهن
ولست أقصد بكل ذلك ألا نحزن لموت مروة أو نغضب من التطرف الذى قتلها واغتال براءتها وأحلامها وحقها فى حياتها وبيتها وأسرتها.. وإنما قصدت أن نحزن كما ينبغى أن يكون الحزن.. وأن نغضب بشكل صحيح يقودنا ولو خطوة للأمام وليس هذا الغضب الذى يبقى علينا فى أماكننا وبنفس اضطرابنا وارتباكنا والفوضى التى تجعلنا لا نفهم ولا نتعلم ولا نتغير أيضا.. فمن المؤكد أن هناك عداء أوروبيا وعالميا للإسلام.. وهناك شكوك دائمة للمسلمين.. ولكنه ليس عداء عنصريا أو شكوكا ليست فى محلها.. ومن المؤكد أن الإعلام الأوروبى والعالمى لم ينقل أبدا من قبل صورة حقيقية للناس هناك عن الإسلام والمسلمين.. وبدلا من أن نهتم بذلك ونحاول كلنا تغيير هذه الصورة وتقديم الصورة الحقيقية.. جاء حادث مروة الشربينى لنقدم لهم دليلا جيدا على عشوائية الفكر والكتابة والكلام والصرخات الغاضبة التى لا تعرف المنطق ولا تحترم قواعد وحقوق وطبائع الأشياء.. ومن المؤكد أن مروة كإنسانة ومسلمة ومصرية.. لم تكن تستحق مثل هذا المصير المؤلم والموجع والحزين.. ولكننا كلنا فى المقابل نستحق هذا الهوان الذى أصبحنا غارقين فيه.. وليس من حقنا أن نشكو هواننا على الآخرين لأننا فى الأصل سمحنا به على أنفسنا ورضينا بالإهانة فى بلادنا فلم يعد من حقنا أن نتبجح ونصرخ ونشكو من إهاناتنا فى بلاد الآخرين.

(2) مصر الأخرى.. وطريق الإسكندرية
متى كانت آخر مرة سافرت فيها من القاهرة مستخدما الطريق الصحراوى بين القاهرة والإسكندرية.. ولست أتوجه بهذا السؤال إلى هؤلاء القليلين الذين اعتادوا فى شهور الصيف ومواسمه السفر والاستمتاع بالحياة فى سواحل الشمال.. وإنما أتوجه بالسؤال لكل المصريين.. أريد أن أعرف ما هى قيمة هذا الطريق ووظيفته الحقيقية ومساحة مساهمته فى التنمية المصرية واستثمارات الحكومة المصرية من أجل المستقبل.. فهذا الطريق تم تعديله وتجميله أكثر من مرة خلال السنوات القليلة الماضية.. لكن من الواضح أن الطريق لا يزال يفتقد بعض مظاهر الجمال والأناقة والراحة فكان قرار الحكومة بإنفاق ثلاثة مليارات أخرى لتطوير طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوى.. تخيلوا ثلاثة مليارات جديدة لتطوير ذلك الطريق.. وليست طرق الموت الرابطة بين مدن الصعيد وقراه أو قرى الوجه البحرى التى لم تعد صالحة للاستخدام الآدمى.. ولكن يبدو أن البشر الذين لهم حقوق وكبرياء ومشاعر وآدمية هم أولئك فقط الذين يعرفون الساحل الشمالى ويقصدونه طلبا للراحة أو الترفيه أو الوجاهة الاجتماعية.. وليس هذا فقط هو المعنى الظاهر والواضح لقرار الحكومة بإنفاق هذا المبلغ لإعادة تطوير هذا الطريق.. وإنما هناك معنى قد تكون له نفس الأهمية والمكانة.. وهو الخاص بخريطة الإنفاق الحكومى.. فحين أجد حكومتى الرشيدة تقرر أن تنشئ فى مدن إقليمية شارات المرور الآلية المزودة بكاميرات ترصد المخالفات.. يصبح ذلك أمرا يسعدنى جدا.. ولكننى حين ألتفت حولى ولا أجد حول تلك الشارات طرقا مرصوفة صالحة للسير.. ولا أجد أرصفة صالحة للاستخدام.. ولا أجد إلا القمامة والفوضى وكل مظاهر القبح والتخلف.. وقتها سألعن كل من قرر ذلك.. وكل من اشترى تلك الشارات الآلية.. وقد أتهمه بالفساد وتلقى الرشوة والعمولات أو أنه صاحب مصلحة خاصة.. ولكن من المؤكد أننى سأتهمه بالسفه وعشوائية الفكر والقرار.. أما النكتة الأخيرة.. فهى المطالبة.. لحل كل أزمات المرور.. بإنشاء مجلس أعلى للمرور.. وكأن هذا المجلس الأعلى هو العفريت الذى سيخرج من القمقم فنطلب منه حل كل مشكلاتنا لتتوقف الحوادث ونزيف الدم على الأسفلت وتتوقف العشوائية والفوضى فى شوارعنا وتجد سياراتنا مكانا لانتظار أصحابها وتلتزم سيارات الميكروباص بقواعد وأخلاقيات الطريق ونستعيد ذلك الاختراع القديم الذى بدأنا ننساه وأقصد النقل العام.. كل هذه المشكلات سيحلها مجلس أعلى للمرور.. بهيئة جديدة وبدلات ومكافآت واجتماعات لا تنتهى.. وحوافر وامتيازات ولافتات لامعة لا أول لها ولا آخر.. آه يا بلد.

(3) الغربية.. محافظة آيلة للسقوط
فى إطار عشوائية الفكر والحياة التى باتت تسكن كل نواحى حياتنا وبلادنا.. أصبح يريحنا أن نسكت ونجلس نمصمص الشفاه ونحكى الحكايات المعادة والمكررة وننتظر انهيار أى مبنى أو بيت لنلتفت كلنا ونبدأ الصراخ وشتيمة الحكومة الفاسدة بوزاراتها وإداراتها.. ولم نتوقف مرة واحدة لنعاود التفكير والحساب.. وأنا لا أدافع عن الحكومة وإداراتها.. بل أتهمها بالعجز والضعف وقلة الحيلة ولكننى فقط أتساءل.. هل حكومتنا وحدها هى التى كذلك.. أم أننا كلنا متهمون بذلك.. وعلى سبيل المثال هناك الآن 112 ألف قرار إزالة لمبان مخالفة وآيلة للسقوط.. وبالتحديد هناك 84 ألف بيت ممكن جدا أن تنهار فى أى لحظة مقبلة.. وفيها يعيش 13 مليون رجل وامرأة وأطفال.. فماذا سيحدث.. لا شىء سيحدث على الإطلاق.. وستبقى هذه القرارات مجرد حبر على ورق.. وسيبقى التهديد مستمرا وقائما ولا أحد يهتم أو يتحرك.. لا رئيس الحكومة ولا الناس أيضا.. ولا الصحافة وشاشات التليفزيون وبرامجه بالطبع.. سننتظر كلنا حتى تحدث انهيارات بالفعل ويموت الكثيرون بالفعل.. ووقتها سنبكى ونغضب.. وستنشر الصحف صرخاتنا كلنا.. وسنرى على شاشاتنا برامج التليفزيون تتسابق كاميراتها لتصوير الضحايا الصغار تحت قنابل الحجارة والأسمنت.. وينتهى الأمر بالنسبة لنا حين يدركنا الملل فنروح نفتش عن قضية جديدة.. ولا أظن أنها تتعامل بمثل هذا المنهج كل الدول التى تحترم فيها الحكومات نفسها.. ويحترم فيها الناس أنفسهم.. وإذا كانت الحكومة قد قامت بأول واجباتها وقامت بحصر كل هذه البيوت الآيلة للسقوط.. وأصدرت قرارات الإزالة.. ووضعت التفاصيل الخاصة بذلك متاحة أمام الجميع.. فقد كان من المفروض أن يبدأ واجبنا نحن.. وان نهتم وأن نتابع أيضا.. وأن نطالب المسئولين ببذل الجهد لتجنب كل الكوارث المقبلة.. وعلى سبيل المثال تأتى محافظة الغربية كأكثر المحافظات المصرية الآيلة للسقوط وفيها قرابة عشرين ألف بيت.. فما الذى سيقوم به محافظ الغربية.. وهل ممكن أن ينزعج ويهتم.. وبعد الغربية تأتى الإسكندرية ثم القاهرة ثم الدقهلية.. وفى كل محافظة من هذه، محافظ ومدير إسكان ورؤساء مدن وأحياء.. وبإمكانهم أن يجدوا وسط أشغالهم الكثيرة وقتا للالتفات لمثل هذا الملف.. وأتمنى مرة أن نتحرك قبل الكارثة وليس بعدها.. وأن يقتنع كل مسئول كبير أو صغير أولى أولوياته هى خدمة الناس والبسطاء وحمايتهم وليس انتظار أن يموت هؤلاء البسطاء فتأتى كاميرات التليفزيون وأمامها يؤكد هؤلاء المسئولون أنهم أبرياء.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة