إن الحياة فى المجتمعات الشرقية لها مواصفات خاصة، فإن أردت أن ترضى بالخوخ لابد أن ترضى بشرابه وفى كثير من الأحيان نرضى بكل هذه الأمور مجبرين لا أبطال.. فثقافة المجتمع وعرفه أقوى بكثير من الأديان أو العقائد أو حتى الأيدلوجيات.
العرف هو من يعرف ويعرب كل تلك الأفكار فى أيقونات وتابوهات من يقترب منها بلا وعى يحترق ويودى بنفسه إلى التهلكة، "وليس له دية". ومقومات المجتمعات الصالحة للعيش بأمان تتشكل من وعى الأفراد بكل مصالحهم الواقعية من الاحتياجات المادية والمعنوية الأساسية لاستمرار تدفق تلك المقومات، فهى ليست احتياجات وقتية بل دائمة ومستمرة ومتطورة.
لابد لكل مجتمع أن يتطور مع كل العوامل الخارجية المؤثرة، كما لابد له أن يتعامل بكل جدية مع عوامله الداخلية المشكلة لكيانه وهويته، ولقد بدأت مجتمعاتنا تتخذ أشكالاً أخرى أكثر هلامية لا يستطيع المرء بكل قوته وملاحظته ودراسته أن يؤسس لشكل منهجى يتطور أو يتغير فيه المجتمع.
كما تحدثنا من قبل أن العشوائية الفكرية هى التى تميز مجتمعاتنا وبامتياز ولا يوجد فرق كبير بين دولة ثرية بترولية أو دولة ثرية حضارية.. المشكلة تكمن فى العرف السائد والأفكار المتوارثة فى "الإنسان ذاته" فما قيمة أى تغيير إذا لم يشمل الإنسان والإنسان والإنسان.
نعم هناك تغيير كبير يشمل (المكان، الزمان، الجماد، النبات،.....) كل الأشياء المادية الملموسة أما العقلية التى هى الأهم فنلاحظ أنها تتغير بخطى حثيثة والتغيرات الكبيرة فى الغالب تكون قشرية اى ليست جوهرية، فعندما يتحول مجتمع يحوى نسبة كبيرة من البطالة بين الشباب إلى مجتمع استهلاكى تفاخرى يقضى كل أوقاته ما بين شاشات الفضائيات كمتفرجين وشاشات الحياة كممثلين.
مجتمعات المحاكاة والتقليد والمثال الأوضح بامتياز "الموبايل" وما كبد كل المصريين من أموال ومصروفات طائلة لا جدوى منها إلا القليل النادر ولا تقف سلبياته فى مجتمعنا عند البذخ المادى الاستهلاكى لمجتمع يعانى من البطالة والفقر وتدنى مستوى الحياة للطبقات المتوسطة إلى حد الكفاف وأقل، بل تتعدى سلبياته إلى سلوكيات أقل ما يقال عنها مراهقة لمجتمع متقطع الأوصال والتواصل يرى فى مجرد آلة للاتصال، قيمته وهويته وشقاؤه وسعادته.
القيم السائدة فى المجتمع هى التى تشكل هويته، وهى منبع تطوره ونهوضه بمعنى آخر إذا أردت أن تحافظ على هوية مجتمع ما، فلابد أن ترتكز مقومات هذا المجتمع على ثوابت الشعور بالانتماء لتلك الثقافة وذاك المجتمع بقيمه الإيجابية وبالتفاعل مع كل القيم الحضارية للثقافات الأخرى لم يعد يروق لأى من البشر أن تتحدث باستعلاء وتعالى على الثقافات الأخرى.
الشفافية فى نقد الذات وليس جلدها بهدف التقويم الحقيقى للأخطاء وبدون وضع السم فى العسل وبدلاً عن تقويم ونقد حقيقى للنهوض بالمجتمع يكون معول هدم منظم للمجتمع ولقيمه من الداخل.
المحافظة على الهوية قيمة أساسية ومصلحة وهم استراتيجى فى كل الأمم الكبرى والمؤثرة، فماذا أولينا لها من خطط واستراتيجيات؟
مقومات الهوية: اللغة ثم الدين فمنظومة القيم المجتمعية (العرف)، وكيفية المحافظة على الهوية يكون من خلال الخطط المحكمة التى لا تترك هفوة، وذلك لإعادة الاعتبار إلى اللغة كمشكل رئيسى ووعاء لكل التغييرات الفكرية والوعى الرشيد لدورها المؤثر والأقوى بلا منازع فى تربية نشأ يفهم ومن ثم يحترم لغته، ثقافته، تراثه، دينه، مجتمعه بكل قيمه.
وضع الدين فى المكانة التى يستحقها من تقدير واهتمام كمؤثر بامتياز فى إعلاء القيم الإيجابية فى كل المجتمعات، فحشر الدين فى معارك سياسية واقتصادية والمتاجرة به فى كل المواقف ولكل الأطراف تسقط هيبته ويضيع دوره الحقيقى فى ازدهار قيم المجتمع وإعلائها، وتحديد وبكل شفافية ما هى منظومة القيم وما الدور الذى تلعبه بكل وضوح فى حياتنا. لابد من إعلاء قيم العمل، المواطنة، العدل، المساواة، الاختلاف، احترام الآخر، التسامح....إلخ.
إذن كيف نحافظ على هويتنا؟
بالإجابة الجادة الحقيقة على هذا السؤال.
هل أنت مهتم وبالقدر الكافى والمؤثر للحفاظ على هويتك؟
