◄بوى فرند وكوفى شوب وهامبورجر ومقاطعة ورفض وغضب أيضاً
«تعرف تقول جود نايت، وتفتح السمسونايت، وتبتسم بالدولار؟» هذه الأسئلة طرحها الأبنودى على المصريين فى قصيدته «سوق العصر» التى كتبها فى السبعينيات تعبيراً عن رعبه من الانفتاح، الذى كان يمثل على الناحية الأخرى «أمريكا».
وبعد حوالى أربعة عقود أصبحت الثقافة الأمريكية فى الشارع المصرى أكبر من السمسونايت والورق الأخضر وسجائر المارلبورو والكوكاكولا، إذ تخللت الثقافة الأمريكية كل صور الحياة تقريباً فهى فى الطعام، والشراب، وديكورات المنازل، وهى فى الموسيقى، والرقص، والسينما وفى سوق الكتب أيضاً. المصريون أثبتوا فى مجالات كثيرة قدرة على هضم هذه الثقافة وتقليدها حرفياً، بحيث تحولت إلى جزء من ثقافتهم اليومية، إلا أن الثقافة الأمريكية مازالت مع ذلك محافظة على موقعها المتناقض فى عقول المصريين، أمريكا التى يكرهونها جداً، ويحبونها جداً فى اللحظة ذاتها، أمريكا التى يقاطعونها ويهتفون ضدها على أنفاس سجائرها ورشفات قهوتها الأمريكانى.
فى أحد الشوارع الضيقة بامبابة، مطعم صغير يضع على بوابته من الخارج لافتة حمراء مكتوب عليها «Pizza Hot» ويحمل قبعة حمراء اللون، والمطعم يقدم البيتزا بجميع الأشكال والأنواع. بالتأكيد لا علاقة لهذا المطعم بسلسلة المطاعم الأمريكية الشهيرة «Pizza Hut» فهو ليس إلا واحدا من مظاهر تأثر السوق المصرية بمطاعم الوجبات السريعة الأمريكية التى انتشرت فى كل مكان وبسرعة كبيرة. مثلاً بدأت سلسلة المطاعم الأمريكية الشهيرة، ماكدونالدز بمطعمين صغيرين فى المهندسين ومصر الجديدة عام 2004، وفى أقل من خمس سنوات، تمددت فروع السلسلة فى محافظات القاهرة والإسكندرية والأقصر وأسوان والغردقة وشرم الشيخ لتخدم 40.000 مستهلك. سبقتها سلسلة مطاعم مثل كنتاكى، وبيتزا هت، وبرجر كينج، وصب واى، ودومينوز وغيرها. فى البداية كانت تتفاعل مع ولع فئات بعينها من المصريين بشرائح الهامبورجر، والكاتشب، والبطاطس المقرمشة، تقدم فى أماكن نظيفة بيضاء على أنغام الموسيقى الأمريكية. ومع الوقت اكتشفت إدارات تلك المطاعم أن هذا الولع قد ينقلب إلى نقمة، ارتباطاً بالأحداث السياسية.
فبدأت سياسة جديدة للقفز على دعوات المقاطعة، فقد دفعت الخسائر التى لحقت بسلسلة ماكدونالدز أثناء الانتفاضة إلى ابتكار ساندويتش جديد باسم «ماك أرابيا» فى الخليج ومصر يستخدم الخبز العربى بدلاً من «الكايزر».رافقتها حملات دعاية تليفزيونية تؤكد للجمهور أن إدارة ماكدونالدز مصرية، وأن 80 % من منتجاتها تأتى من موردين مصريين، كما أنها تفتح بيوت 10.000 أسرة مصرية وتوفر فرص عمل لـ3000 عامل. لكن التأثير الأكبر ظهر فى محاولة تقليد الثقافة، وظهرت نسخ مصرية من مطاعم الوجبات السريعة على الطريقة الأمريكية، أشهرها مؤمن وكوك دور. لكن المظهر الأكثر إثارة للاهتمام هو تلك المطاعم الصغيرة فى المناطق الشعبية، وتحول الهامبورجر والبيتزا إلى أكلات شعبية تنافس الدجاج المشوى على السيخ، والكباب، والكشرى والفول والطعمية.
«كوفى شوب» وليس «قهوة»
لم يستطع مايكل الشاب الأمريكى الذى كان يدرس الموسيقى فى القاهرة فى أوائل التسعينيات، إخفاء دهشته من التغير الذى طرأ على القاهرة خلال عقدين، ويقول أنه عندما كان يسكن فى الزمالك، كان يضطر لشرب القهوة الأمريكية التى يحبها فى فندق قريب، ولم يكن هناك سوى المقاهى الشعبية التى كانت تقتصر على الشاى والقهوة التركى وباقى المشاريب المصرية. ولم تكن ظهرت أسماء مثل «كوفى بينس أند تى ليفس» و«ستاربوكس» الأمريكية فى القاهرة، ولم يعد تكفى عبارة «واحد قهوة» ليأتى لك فنجان القهوة التركى، وأصبح التفسير مطلوبا «كابتشينو، نسكافيه، اكسبرسو، أو تركى». صحيح أن معظم هذه الأسماء مستوردة أساساً من إيطاليا، إلا أنها لم تكن لتدخل إلى قاموس «المشاريب» المصرية لولا سلاسل الكوفى شوب الأمريكيةً. والتقط مستثمرون مصريون طرف الخيط ليؤسسوا سلاسلهم الخاصة على الطريقة الأمريكية.
الجينز:
لا يعرف الكثيرون أن الجينز الشهير الذى يرتدونه ليل نهار، وعلى كل الأشكال والألوان، والذى تحول من مجرد بنطلون وربما جاكت أيضاً، إلى فساتين وجيب، وحقائب، وحافظات نقود، بدأ حياته على أجساد بحارة جنوة فى القرن السادس عشر، وأن اسم الجينز نفسه مشتق من العبارة الفرنسية «blue De Genes»» نسبة إلى القماش الذى كان يصنع منه الجينز. لكنه انتشر عندما ظهر فى أفلام الكاوبوى، والأمريكان هم الذين نشروه فى العالم. وتحول مع الانفتاح إلى موضة الشباب والشابات. وهو أكبر مظاهر العلاقة المتناقضة التى تربط المصريين بأمريكا، فكل المتظاهرين احتجاجا على سياسات أمريكا يرتدون الجينز وهم يحرقون علم أمريكا، ويلعنون أمريكا.
مولود أمريكانى:
شيرين عبدالوهاب المطربة الشهيرة، أثار قرارها بولادة طفلتها فى الولايات المتحدة ضجة كبيرة، ولم تتردد عندما سألها صحفى عن السبب فى اختيار أمريكا لوضع مولودها فى القول بأن «الجنسية الأمريكية ستفتح لابنتى أبوابا كثيرة فى العالم» شيرين ليست الوحيدة التى تفكر كذلك فالفنانة إيمى وضعت مولودها بالولايات المتحدة، وكذلك الإعلامية دينا رامز وغيرهن الكثير من المشاهير.
جرين كارت الحلم:
لو خطفت رجلك إلى جاردن سيتى حيث مبنى السفارة الأمريكية سترى طوابير الواقفين خلف باب أمريكا فى انتظار الهجرة، والحصول على الجرين كارد. مجدى وليم أحد هؤلاء يقول إنه وقف فى هذا الطابور مرات دون أن يتمكن من تحقيق حلم الهجرة. وليم يحمل شهادة بكالوريوس تجارة، ولديه محل صغير للملابس فى إحدى ضواحى ميت غمر، ولا يمتلك خبرات خاصة تؤهله للمنافسة هناك، لكن العشرات ممن يقفون فى طابور السفارة لديهم جميعاً ثقة فى أن فى أمريكا متسع للجميع. وليم مثل زملائه فى الطابور، يعترض على السياسات الأمريكية، لكنه يرى أن هذه نقرة وتلك نقرة أخرى.
علاقات أمريكانى:
«عندك بوى فرند؟» هذا هو السؤال الذى يسأله البنات والأولاد لبعضهم البعض على صفحات الفيس بوك، فالبوى فرند أو الجيرل فريند أصبحا لدى الكثيرين مرحلة أساسية للتجريب، عماد طالب بالمرحلة الأولى بكلية الآداب جامعة عين شمس، يقول إن لديه «جيرل فريند» يقولها هكذا حرفياً، لماذا لا تقول حبيبة أو صديقة، يقول لأن «الجيرل فريند» مستوى مختلف فهى أكثر قليلاً من صديقة، وأقل من حبيبة «يعنى مش معنى إننا «كابل» إن إحنا هانكمل مع بعض على طول، عماد يؤكد أن صديقته تفهم ذلك، وتفكر بنفس الطريقة.
مزيكا أمريكانى:
المصريون يحبون الأغانى الأمريكية، لكن التأثر بالموسيقى الأمريكية خرج من النطاق الرسمى إلى فرق الشباب التى تجول المراكز الثقافية فى وسط البلد، حيث انتشرت فى الفترة الأخيرة بين هؤلاء ثقافة «الهيب هوب» أو «الراب» وهى نوع من الموسيقى الذى اخترعه وطوره الأفروأمريكان فى السبعينيات فى الشوارع الخلفية لنيويورك ليعبروا عن ثقافتهم الخاصة، بحيث تحول من مجرد موسيقى إلى ثقافة ترتبط بأزياء وإشارات وأداء حركى معين.
وهكذا فمن الجائز أن يحكم أمريكا جورج بوش الابن أو أوباما، ومن الجائز أن تتبنى الإدارة الأمريكية العنف أو الدبلوماسية، ومن الجائز أن تحب أنت أمريكا أو تكرهها، لكن الأكيد أنك مضطر للتعامل مع أمريكا يومياً وفى كل الأوقات ودون أن تشعر أحياناً.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة