علقت صحيفة "لوموند" فى مقال لها على الحالة التى آلت إليها الأوضاع فى إيران، بعد مرور شهر على الانتخابات الإيرانية، والتى تسببت فى حركة الاحتجاج التى تشهدها البلاد، خاصة وأن تلك الحركة قد وجدت جبهة جديدة للرفض فى قلب مدينة قم المقدسة، ظهرت جلية فى لهجة واحد من المرجعيات الدينية الإيرانية، وهو آية الله منتظرى، الخليفة المعزول لآية الله خمينى. وذلك خلال حواره مع المفكر الدينى المعروف فى الولايات المتحدة الأمريكية، محسن كاديفار، حيث بدت إجاباته كلائحة اتهام شرسة ضد المرشد الأعلى آية الله على خامنى، الذى يدعم بكل ثقله أحمدى نجاد.
تقول الصحيفة إنه خلال هذه المقابلة التى بثت على عدد من المواقع الإيرانية، والتى وصفت "بالتاريخية" من قبل العديد من علماء الدين، يقول "المرجع" الأعلى لمدينة قم، فى إشارة إلى عملية قمع المتظاهرين، إن التعذيب "يعد خطيئة على المستوى الدينى وجريمة من الناحية القانونية.. وأن الشعب الإيرانى الشجاع يعرف كيف يتم الحصول على اعترافات أبنائه فى السجون". وأكد منتظرى من جديد على حق الإيرانيين فى "التعبير عن أنفسهم بشكل سلمى"، واصفا أسلوب إدارة البلاد "بالطغيان"، وذلك قبل أن يختتم حديثه بفتوى "لا تخافوا (...) على كل مسلم واجب معارضة ظلم أولئك الذين ينتهكون حقوقه".
وعقبت الصحيفة على المدلول الكبير لبعض الكلمات التى اختارها المنتظرى خلال حديثه، خاصة لفظ "جائر" لوصف إدارة المرشد الأعلى، وهو التعبير الذى سبق واستخدمه مرجعان إيرانيان فى مناسبات تاريخية، للتعبير عن غضبهم الشديد ضد السلطة. وهما آية الله خراسانى ضد الملك محمد على شاه فى 1906 خلال الثورة الدستورية، وآية الله خمينى ضد الشاه محمد رضا بلهوى خلال الثورة الإسلامية فى 1979.
إن تلك الانتقادات التى وجهها آية الله منتظرى، بالإضافة إلى انتقادات عشرة من المرجعيات الدينية الأخرى فى إيران، من شأنه زيادة إنزعاج الأصوليين فى السلطة الإيرانية، مع اقتراب تولى أحمدى نجاد مهامه فى أغسطس، والذى يواجه صعوبة فى الحصول على "اعتراف دينى" بشرعية الانتخابات. ومن ثم يقوم هؤلاء الأصوليون بالضغط على كبار قادة مدينة قم للحصول على تأييدهم، أو على الأقل كلمة تهنئة من جانبهم. وتضيف الصحيفة، أن هذه الضغوط وصلت على ما يبدو لدرجة من القوة، بحيث قام المرجع الدينى أستادى، الذى يرأس المدارس الدينية فى مدينة قم والذى ظل حتى الآن مؤيدا لخامنئى، بالتنديد بالأفعال "غير القانونية" التى تقوم بها الميليشيا الإسلامية، كما انتقد المرجع الأصولى للرئيس أحمدى نجاد، آية الله مصباح يزدى.
وهدد آية الله استادى فى لهجة غضب شديدة، نظام الملالى الإيرانى قائلا "إذا استمر الضغط، سيلجأ الكثير منا إلى مغادرة الجمهورية الإسلامية إلى مدينة النجف فى العراق". وتذهب الصحيفة إلى أنه بعد مرور شهر من انتخابات 12 يوليو، لم تتغير الأوضاع إلا ظاهريا. فعلى الرغم من أن الشرطة منتشرة فى كل مكان، إلا أن حركة الاحتجاج لا تزال مشتعلة تحت السطح ولا تظهر إلا بصورة متقطعة. فالمظاهرات الضخمة لم تعد تنشب، حتى لو كان الآلاف من الشباب الإيرانى قد أظهر يوم الخميس خلال الاحتفال بالذكرى السنوية للثورات الطلابية عام 1999، أن بإمكانه التغلب على شعوره بالخوف بالنزول إلى شوارع طهران وأصفهان، حيث كان هناك ما يقرب من عشرين اعتقالا فى تبريز وشيراز.
وأعلنت السلطة القضائية أن ما يزيد على 500 2 شخص قد ألقى القبض عليهم، وأن 500 ما زالوا فى السجون "فى انتظار الحكم بشأنهم". وهو الأمر الذى يعلق عليه لصحيفة "لوموند" كريم لاحيدجى، رئيس رابطة حقوق الإنسان الإيرانية، متسائلا "من هم هؤلاء الـ500 شخص؟ إننا لم نتمكن سوى من توثيق 172 حالة مؤكدة، أما الباقون فهم معزولون بشكل تام ولم تصل عنهم أية أخبار منذ شهر".
من ناحية أخرى، يشير أحد المحللين الإيرانيين إلى أن المحاكمات لم تجر بعد، والسلطة تعتقل أشخاصا، ثم تفرج عنهم لتعود وتلقى القبض عليهم مرة أخرى، وحتى سياسة النظام القمعية ليست ثابتة "إن إيران تشهد منذ شهر حالة حصار غير معلنة". الأمر الذى تعكسه الرسالة المفتوحة التى وجهها يوم الأحد الماضى، محسن رضائى، القائد التاريخى السابق للحرس الثورى والمرشح المهزوم فى الانتخابات الرئاسية الإيرانية، تحدث فيها عن "أزمة ثقة خطيرة" لا يمكن "للقمع وحده حلها"، مشددا على "مخاطر انهيار الجمهورية الإسلامية".
هل قارب النظام الثورى فى إيران على الانهيار؟!!