على الرغم من تراجع الاهتمام بالشأن السورى فى الصحف الغربية فى الآونة الأخيرة، نظراً لبروز قضايا وملفات أخرى مثل قضية الانتخابات الإيرانية والملف الفلسطينى، إلا أن صحيفة الجارديان تحدثت عن الدور الذى يمكن أن تقوم به سوريا فى إنهاء ما وصفته بالحرب العربية الباردة، وذلك بتخليها عن التحالف مع إيران والانضمام إلى معسكر الاعتدال العربى.
وتحدث الكاتب كريس فيليبس عن التغيير فى السياسة الدولية والعربية فى التعامل مع سوريا قائلاً: بدأ الدبلوماسيون يعودون إلى العاصمة السورية دمشق واحداً تلو الآخر. ففى أعقاب قرار الرئيس الأمريكى باراك أوباما بتعيين سفير جديد بسوريا، فإن العاهل السعودى الملك عبد الله بن عبد العزيز قام بخطوة مماثلة. ورأى فيلبيس أن تعيين سفير سعودى جديد يمثل خطوة أكثر أهمية من المساعى الغربية لإعادة التقارب مع النظام البعثى فى سوريا، ووصفه بأنه غصن زيتون بين دولتين حدث بينهما صدام وخلاف خلال السنوات الأربعة الماضية.
ويمضى الكاتب فى القول إنه فى حين يبدو أن واشنطن تصعد من محاولتها لإبعاد الرئيس السورى بشار الأسد عن إيران، فإن السعودية تعمل على جذبه نحو ما يسمى معسكر الاعتدال العربى. ومع توقع أن يقوم الملك عبد الله بنفسه بزيارة مرتقبة إلى سوريا، يظهر تساؤل حول ما إذا كان تعيين سفير جديد يمثل أول خطوة فى إنهاء الحرب العربية الباردة؟
مالكوم كير، عالم السياسة الأمريكى والخبير فى شئون الشرق الأوسط وصاحب الكتاب الشهير عن الحرب العربية الباردة، وصف فترة الخمسينيات والستينيات فى الشرق الأوسط بالحرب العربية الباردة، حيث كان الرئيس جمال عبد الناصر وحلفائه فى مواجهة المعسكر المحافظ الذى مثله العراق والأردن والسعودية. وعلى الرغم من تغير اللاعبين والإيدولوجيات، فإن شكلاً من أشكال الحرب الباردة لا يزال موجوداً فى العالم العربى منذ هذه الفترة. وتجلت مظاهر هذه الحرب فى المقاطعة العربية لمصر بعد توقيعها اتفاق السلام مع إسرائيل عام 1979 والتواطؤ المصرى السعودى السورى مع الولايات المتحدة ضد صدام حسين فى حرب الخليج عام 1991. وآخر مظاهر هذه الحرب معروف جيداً: سوريا وحماس وحزب الله برعاية إيران فى مواجهة مصر والسعودية والأردن، حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية. فبينما سيطر الهجوم الكلامى وحديث المعتدلين عن مخاوفهم من الهلال الشيعى الذى يتحدى الهيمنة السنية، والراديكاليين الذين تحدثوا عن تقاعس مصر خلال حرب غزة، فإن العنف قد اندلع بشدة بين أنصار السعودية وسوريا فى بيروت العام الماضى.
ويتساءل فيليبس: لماذا إذن تمد السعودية، التى تعد ألد الخصوم العرب لسوريا، يدها لإنهاء هذا الصراع البارد الآن؟ ويجيب قائلاً إن الرياض لديها ثلاث أولويات لتعزيز المصالحة مع دمشق. الأولى: إنها ترغب فى احتواء أقرب حليفة لسوريا، إيران، وبصفة خاصة احتواء المخاوف التى يثيرها برنامجها النووى. فقد ذكرت صحيفة صنداى تايمز مؤخراً أن الرياض منحت إسرائيل ضوءاَ أخضر للهجوم على إيران عبر المجال الجوى السعودى. ورغم أنه لم يتم تأكيد هذا الخبر، فإنه من المنصف القول إن الرياض لن تذرف دمعاً إذا ما وقعت الضربة الإسرائيلية، لكنها ستخشى من وقوع صدام إذا اتحد حزب الله وسوريا فى مواجهة إسرائيل. ويبدو أن إبعاد بشار الأسد عن أحمدى نجاد هو أفضل طريقة لتجنب حدوث هذا.. وقد أدت حالة التشوش فى طهران بسبب الاحتجاجات التى اندلعت عقب الانتخابات الرئاسية الإيرانية لدفع السعودية إلى تجديد جهودها لإبعاد سوريا عن إيران.
ويشير الكاتب إلى وجود لاعب أساسى أيضا فى هذه القضية وهو لبنان. فالسعودية ساندت دائماً سعد الحريرى وأنصاره فى لئتلاف 14 آذار الذى حقق انتصاراً فى الانتخابات البرلمانية فى يوينو الماضى. ورغم هذا، فإن حلفاء سوريا، حزب الله وائتلاف 8 آذار لا يزالون أقوياء، وتظل الحاجة إلى نوع من التسوية القائمة إذا تم تشكيل حكومة تؤدى مهامها فى لبنان.
وقد حاولت الرياض بالفعل وفشلت فى تحييد المعارضة بالقوة العسكرية عندما هزم المسلحون السنة المدعومون من السعودية من قبل المسلحين الشيعة فى مايو 2008. ولذلك فإن السعودية تتفهم ضرورة الدخول فى حوار مع دمشق للإبقاء على السلام مع حزب الله وتعزيز الانتصار الانتخابى للحريرى.
أما الأولوية الاخيرة والأكثر أهمية بالنسية للرياض، فهى البقاء إلى جانب الولايات المتحدة. ففى ظل إدارة الرئيس السابق جورج بوش، عندما كانت لهجة الولايات المتحدة تقوم على المواجهة، كانت السعودية تهاجم سوريا. وعلى النقيض، فإنه فى ظل النهج الذى يتبناه أوباما، فإن السعودية والحلفاء العرب الآخرين يخففون من حدة موقفهم. فالعاهل الأردنى الملك عبد الله الثانى الذى ابتدع نظرية "الهلال الشيعى" كان فى دمشق فى الآونة الاخيرة يحاول الترويج لمبادرة أوباما السلمية لدى الرئيس الأسد. كما دعت مصر سوريا أيضا إلى المساهمة فى مباحثات المصالحة الفلسطينية، فى حين أن تعيين سفير سعودى جديد لدى سوريا هو أحدث خطوة فى مبادرات حسن النوايا العديدة من أجل تحقيق المصالحة خلال العام الحالى.
وعن مدى نجاح هذه الإجراءات فى استقطاب سوريا وإنهاء الحرب العربية الباردة، فإن دمشق تبدو من الناحية الظاهرية، فى حاجة إلى حلفاء: حزب الله لا يزال يعانى من آثار الهزيمة الانتخابية، وإيران تعانى من الاضطرابات الداخلية والعزلة الدولية، بالإضافة إلى ذلك، فإن العقوبات الأمريكية بدأت يكون لها تأثير على الاقتصاد السورى، ودعم أوباما ضرورى من أجل استعادة سوريا لمرتفعات الجولان التى تحتلها إسرائيل. بالتأكيد، فإن التخلى عن إيران والانضمام إلى المعتدلين العرب هو أفضل طريقة للتأكيد على الأهداف المزدوجة للتنمية الاقتصادية واستعادة الأراضى.
وينتهى الكاتب إلى القول بأن الرئيس الأسد يثبت أنه داهية فى العلاقت الخارجية. فقد استغل هزيمة أنصاره فى لبنان لصالحه بالتأكيد على تراجع التدخل السورى فى الشأن اللبنانى، وهو الأمر الذى دفع الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى وآخرين إلى الإشادة به. كما قامت قرينة الرئيس السورى المولودة فى بريطانيا بتقديم صورة أكثر إيجابية عن سوريا من خلال المقابلات التى أجرتها مع إحدى محطات التلفزيون الغربية.
الجارديان: إنهاء الحرب العربية الباردة بيد سوريا
الأربعاء، 15 يوليو 2009 02:25 م
الجارديان تشير إلى أن سوريا هى سبب الحرب العربية الباردة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة