يثار هذه الأيام كلام عن التوريث، فالبعض يحذر منه، والكثير من الكتاب الصحفيين يحذرون منه ومن آثاره على مصر المستقبل، للدرجة التى أدت إلى انتشار ما يسمى الآن بفوبيا التوريث ولهم مبرراتهم، وهناك قلة ترحب بالتوريث أيضاً ولهم مبرراتهم.
ولهذا فإننا نعرض فى هذا المقال رؤيتنا التحليلية فيما يتعلق بحكم مصر بعد الرئيس محمد حسنى مبارك أطال الله لنا فى عمره، وأقدم رؤية لما أتمنى أن يكون عليه النظام المصري، فى المرحلة القادمة.
وبادئ ذى بدء فإننى أنكر على أى كاتب أن يحاول التقليل من شأن شعب مصر، ومن يفسر الموقف بأنه عجز وصمت شعب مصر عن اتخاذ موقف يؤدى إلى التغيير الثورى المفاجئ للواقع السياسى الحالى، وأن الشعب يعانى انسحاباً وجدانياً، فيجترّ المتاعب والشكوى، دون أن يكون «فاعلاً» فى مواجهة الظلم والقهر والاستبداد!
وأقول للمدعين والمشككين فى شعب مصر ووصفه بالخنوع، كلا، بل إنه شعب عظيم بتاريخه وإنجازاته، صحيح أن مصر لم تتقدم حضارياً بالمعدل الذى يناسب عراقتها، ولكن السؤال هنا: هل شعب مصر هو المسئول وحده عن هذه النتيجة وسعى وحده للوصول إلى هذه الدرجة المتدنية؟
البعض يستشهد بتجربة ماليزيا كمثل يحتذى به من قبل الاقتصاديين، بنهضتها فى مدة لا تتجاوز عشر سنوات بقيادة مهاتير محمد الذى كان يشغل رئاسة الوزراء، وقد تبنى مهاتير محمد المنهج التنموى ودفع بماليزيا نحو النهضة التنموية من خلال توفير مستويات عالية من التعليم والتكنولوجيا لهم وبدفع وتجهيز المواطن الماليزى حتى ينفتح على العالم.
ولكن إذا قارنا مصر بماليزيا فى مستوى التقدم الاقتصادى والاجتماعى، فيجب الأخذ فى الاعتبار الظروف السياسية والأمنية والعسكرية المحيطة بكل منهما، ولا يخفى على أحد أن الظروف مختلفة تماما، صحيح أن مصر كانت أكثر تقدما من ماليزيا بعدد لاحصر له من السنين، قبل ظهور مهاتير محمد نفسه، وصحيح أن الرئيس مبارك تسلم الحكم سنة 1981 وهو العام الذى سلم فيه مهاتير محمد موقعه كرئيس وزراء طوعاً، و لم تحدث نهضة اقتصادية فى مصر حتى الآن، ولكن يجب أن نعرض لبعض الأسباب لما حدث فى مصر خلال الثلاثين عاما الأخيرة.
القضية الفلسطينية عامل هام جداً فى انشغال القيادة السياسية المصرية للمحافظة على الأمن القومى، ولا ننسى أن العدوان من دولة إسرائيل متوقع فى أى لحظة، والجماعة المحظورة ومشاكلها مع النظام السياسى فى مصر، وجماعات النهب والسلب المنتشرة من بعض المصريين عدماء الضمير داخل مصر، والحكومات المتعاقبة التى حكمت مصر وإدارتها فى تلك الفترة بمنطق على قد فلوسهم، ومنطق "اخطف واجرى أنا مش ضامن بكره"، فماذا حدث خلال تلك الفترة؟
فنحن جميعاً نعلم أن الرئيس مبارك منذ توليه الحكم بصفته يتحمل عبء المسئولية كاملة، والمطلوب منه وحده أن يحافظ على أمن مصر القومى ضد أعداء داخليين وخارجيين، ويمكننا ملاحظة هذا عندما اعتدت إسرائيل على غزة وسوف تنتهى مدة السيد الرئيس فى 2011، فما المطلوب الآن؟
الآن يجب اختيار زعيم أو رئيس دولة أو رئيس وزراء، مثل مهاتير محمد، مخلص لوطنه، يستخدم النظم السياسية الصحيحة الشفافة فى إدارة الدولة أو الحكومة، ليبنى الاقتصاد المصرى على أساس بناء الإنسان المصرى بإرسال البعثات والقيام بحزمة إصلاحات شبيهة بماقام به مهاتير محمد فى ماليزيا، يقضى على جيوب العصابات التى تنهش فى جسم وثروة مصر، وترد المظالم من ثروة منهموبة وأرض مسلوبة إلى هذا الشعب، ويعمل بأساليب علمية وليس بالفتاكة، وبعد ذلك لايهم من سيكون مهاتير محمد المصرى.
لماذا تحقرون من شأن الشعب المصرى، إن الله يدير الكون من أعلى سبحانه وتعالى، وما مهاتير محمد إلا إرادة من الله لإنقاذ شعب ماليزيا من الفقر والجهل والتخلف، وما النصر فى حرب مصر سنة 1973 إلا بإرادة الله، ليحافظ على هذا الشعب للقيام بدوره فى هذا الكون، برغم الهزيمة المنكرة سنة 1967.
لا تجلدوا الشعب ولا تظلموه، فشعب ماليزيا ليس له أعداء داخليين وخارجيين يثيرون القلاقل منذ عشرات السنين كما فى مصر، ولم يقم بثورة فوضوية كما توحى بعض المقالات، ولم يقم مهاتير بمظاهرات واعتصامات، فلا تجلدوا الشعب المصرى، إن شعب مصر ليس شعباً ضعيفاً ولا جبانا وتاريخ كفاحه معروف.
إن مصر تحتاج لرئيس وزراء لا يهم اسمه، ولكن لابد من أن يعمل فى إطار من الشفافية والإخلاص، والوطنية وغير معلوم الإسم ولا الصفة، وليس له شلة تحيطه، ولكن لابد أن يتمكن من القيام بما قام به مهاتير محمد فى ماليزيا، وهو بالقطع لن يأتى بثورة ولا بجلد الشعب فهناك فى مصر القوى المتأسلمة التى تنتظر الفرص للانقاض والقفز على السلطة وستصبح مصر لا قدر الله مجزرة بشرية بها فساداً أقوى تخريباً من الفساد القائم، ولكن لأن الله يريد لمصر خيراً، والأمر والنهى بيد الله، فإن الله سيحفظ مصر من الفساد القائم ومن خطر الفساد المتوقع من القوى المتأسلمة.
ولتكن دعوتنا لله بأن يرسل زعيماً ليس المهم من هو، المهم أن يستطيع تطبيق ثورة شاملة ولاأقصد قتل وتدمير ولكن ثورة اقتصادية وإدارية واجتماعية وسياسية تصلج من أمر هذا البلد وهذا الشعب الذى تظلموه بطلب المستحيل.
إن من أبسط المبادئ فى العلوم السياسية أنه لابد لأى تجمع بشرى أو حيوانى من قائد يحمل راية لتوجيههم، ليس بالكلام ولكن بالفعل وباستنفار الناس، وإلا يصبحون قطيع من الغنم الهائم على وجهه، وعندها وبإذن الله سيستنفر الشعب المصرى وسينتصر الشعب على نفسه وعلى أى تجربة مثل ماليزيا أوغير ماليزيا.
إن مصر لهل أعداء يتآمرون على هذا الشعب من الداخل ومن الخارج، لذلك تحتاج لنقاش هادئ يؤدى إلى زعيم له مواصفات يستطيع بها قيادة سفينة جانحة ليس سوبرمان ولا أرسين لوبين ولا الرجل العنكبوت، ولكنه رجل عادى يتنازل باستخدام مؤسسات دستورية وخبراء ووزراء ذوى كفاءة وشفافية، لخدمة هذا الشعب، ودعنا من الكلام المثير الذى لا يهدف إلا إلى إثارة الفوضى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة