محمد حمدى

إيران.. محاولة للفهم!

الأربعاء، 01 يوليو 2009 02:35 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أزعم أننى أفهم فى الشئون الإيرانية من كثيرين ممن تصدوا للكتابة عن إيران فى الآونة الأخيرة، لكننى على الأقل أتابع بتمعن كل ما يحدث فيها، ولى علاقات مع بعض الإيرانيين من كافة الأطياف السياسية سواء من أنصار الجمهورية الإسلامية، أو حتى من الحالمين بعودة حكم الأسرة البهلوية إلى الحكم، إضافة إلى اتصالات مع معارضين ينتمون لمنظمة مجاهدى خلق الإيرانية المعارضة المسلحة.

وقبل عشر سنوات التقيت مع وفد رسمى إيرانى فى القاهرة، وكانت إحدى عضوات هذا الوفد تغطى شعرها، لكن فى المساء فوجئت بها فى بهو الفندق ترتدى ملابس تكشف معظم جسدها ثم ذهبت للنادى الليلى التابع للفندق وظلت ترقص حتى ساعة متأخرة من الليل. بينما كانت فى النهار تدافع باستماتة عن نظام الجمهورية الإسلامية!

نبهنى هذا المشهد إلى أن ثمة خطب ما فى النظام الإيرانى الحاكم، وأن بعض مما يروج عنه لا يتعدى أكثر من أمور دعائية، بينما الكثير من الناس غير راضين عن الوضع العام، وإن كانوا لا يستطيعون المجاهرة بذلك، وينتظرون فرصة السفر للخارج للتخلص من بعض القيود التى يعانون منها فى حياتهم اليومية.

التناقض بين النموذج والتطبيق هو أبرز ما يميز التجربة السياسية فى إيران، فالبعض يرى أن فى إيران ديمقراطية لا تتوافر فى البلدان العربية والإسلامية المحيطة بها بدليل أنه البلد الوحيد فى المنطقة الذى يشهد انتخابات نيابية ورئاسية منتظمة، وفيه أكثر من شخص على قيد الحياة يحملون لقب رئيس سابق مثل الحسن بنى صدر وعلى خامئنى وهاشمى رفسنجانى ومحمد خاتمى على الترتيب، أى خمسة رؤساء سابقين بينما رؤساء بعض الدول العربية لم يتغيروا منذ عشرات السنين.

ظاهريا يبدو هذا الأمر صحيحا لكن فى التطبيق العملى تبدو الديمقراطية الإيرانية منقوصة بل ومشوهة، فمثلا فى الانتخابات الأخيرة تقدم للترشيح لمنصب الرئاسة أكثر من 472 مرشحا لم يوافق مجلس صيانة الدستور سوى على أربعة مرشحين فقط، ينتمون لتيار سياسى واحد حتى ولو اختلفوا داخل هذا التيار بين إصلاحى ومتشدد أو مبدئى كما يسمونهم فى إيران.

ويعنى هذا بمنتهى البساطة أن فكرة الترشيح لرئاسة الجمهورية ليست متاحة لأى مواطن لأن مجلس صيانة الدستور من حقه استبعاد من يشاء ومن يرى أنه غير مؤمن بالجمهورية الإسلامية وهى عبارة مطاطة تفكرنا بالكثير من القوانين سيئة السمعة فى مصر والتى تستند إلى عبارات مطاطة ومرسلة بينما الأصل فى الصياغات القانونية أن تكون محددة وشاملة وجامعة.

لكن الأهم أيضا أن رئيس الجمهورية فى إيران لا تتعدى صلاحياته رئيس وزراء فى دولة ملكية غير دستورية، فالرئيس ليس له صلاحيات فى السياسة الخارجية للدولة ولا الأمور المتعلقة بالأمن القومى التى هى من اختصاصات المرشد الأعلى للثورة الذى يختار لمدى الحياة، ويذهب بعض أيات الله المتشددين فى إيران إلى أن المرشد لا ينتخب وإنما يكتشف، لأنه من اختيار الإمام الغائب لينوب عنه فى الأرض لحين عودته، لذلك ليس غريبا فى إيران أن تجد الكثير من رجال الدين يقبلون قدم المرشد الأعلى وينزلونه منزلة الآلهة.

إيران الديمقراطية أيضا هى التى استبعدت العشرات من أعضاء مجلس الشورى من الانتخابات السابقة لنفس الأسباب، مما يعنى أنه لا يمكن الجزم بشعبية النظام بين مواطنيه بينما يمنع مخالفيه من الترشيح للمجلس النيابى بما فى ذلك المنتمين للتيار الحاكم ومن يعارضونه من الداخل، ناهيك عن أنه غير مسموح من الأساس بأى معارضة داخلية للنظام.

قبل الانتخابات الإيرانية بأيام قليلة كنت فى برنامج "حالة حوار" فى التليفزيون المصرى، وقلت إن إيران تتغير، فالسيطرة الحكومية على كل وسائل الإعلام، ومنع تركيب الصحون الهوائية للالتقاط القنوات الفضائية خلق تجارة واسعة للأقراص المدمجة تسجل عليها البرامج الإخبارية الموجهة من الخارج باللغة الفارسية لدرجة أن صحيفة نيوزويك الأمريكية اختارت محطة بى بى سى الفارسية من بين أكثر عشرين شخصية مؤثرة فى الشارع الإيرانى رغم أن عمرها لم يتجاوز ستة أشهر فقط.

إيران تتغير لأن شبابها تغير، وإذا أردت أن تعرف إلى أين تتجه أية أمة فانظر إلى شبابها ماذا يرتدون وماذا يسمعون.. ومن هم نجومهم الذين يؤثرون فيهم؟.. فى إيران يرتدى معظم الشباب الملابس العصرية ويطيلون شعورهم على الطريقة الأوروبية ويسمعون المطربين الأمريكيين ويشاهدون أفلام هوليوود.. ويبحثون عن الأقراص المدمجة التى تتعلق بكل ما هو غربى.. وتؤثر فيهم التلفزة الموجهة من الخارج أكثر مما يتابعون تليفزيوناتهم المحلية.

لا أكن عداء لإيران ولا أتمنى سقوط النظام الحاكم فيها، لكن اختصار الحياة فى تيار سياسى واحد وإعلام واحد وحزب واحد، يحمل فى داخله عوامل فناء أى نظام سياسى، تماما كما حدث فى الاتحاد السوفيتى السابق الذى حكمه الحزب الشيوعى 74 عاما وانهار فى لحظة.. سواء كان ذلك بفعل تدخل خارجى، أو لأن الطبيعة الإنسانية قائمة على الاختلاف والتعدد، لكنه تحلل وسقط فى النهاية وأخشى أن هذا ما ينتظر إيران فى المستقبل ما لم تنفتح الجمهورية الإسلامية على مواطنيها وتقبل بالتعدد فى وطن هو فى الأساس متعدد عرقيا ودينيا.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة