إقبال بركة

نحن و أوباما

الإثنين، 08 يونيو 2009 08:34 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
زيارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما فرضت نفسها على كل الأقلام، وسنظل فترة طويلة نتأمل خطبته ونقلبها يمينا وشمالا لنستخرج منها ما قد يكون قد خفى علينا أو فاتنا. وهذه بعض تأملات أشاركها معكم.

هل اختار أوباما القاهرة لتكون منبره للعالم الإسلامى لأنها بلد الأزهر الشريف أم لأنه يؤمن بأن الشعب المصرى أكثر الشعوب الإسلامية تسامحا، وأعمق الشعوب الإسلامية فهما للإسلام واستيعابا وتنفيذا لقيمه النبيلة العظيمة؟ يعرف أوباما أننا شعب لا يسهل تضليله، وقد ينخدع البعض منا بعض الوقت بوابل الضلالات المنهمر من الفضائيات التى تتاجر بالدين، لكنه سيعود إلى العقل والمنطق وصحيح الدين.

أوباما يبدو فى مظهره مبتسما خفيف الروح، لن تستثقل ظله أوتبذل جهدا لتبتلع كلامه، بل تشعر أنه صديق عزيز ظهر بعد طول غياب. تفرحك قامته الممشوقة وقفزاته الرشيقة لسلم الطائرة ونظرته المليئة بالتعاطف والفهم للرئيس مبارك وإشارات يده وهو يلقى خطبته والاحترام العميق وهو يردد آيات القرآن الكريم. تصدقه، ولمَ لا؟ ألا تجرى دماء مسلمة فى عروقه.. ألم يبدأ تعليمه فى مدرسة إسلامية بإندونيسيا..؟ ألا يحب جدته المسلمة وترك حملته الانتخابية وطار فى زيارة خاطفة ليحتفل معها بعيد ميلادها.

أوباما لم يضع حذاءه فوق المنضدة كما فعل خروشوف فى الأمم المتحدة ولا لوح بغصن الزيتون كما فعل عرفات فى نفس المكان ولا لوح بحرب شعواء ضد الإرهاب فى خطابه، إنما فتح قلبه وكرر معظم ما قاله فى دعايته الانتخابية ونال بها أصوات الناخبين، مما يدل على أن الكلام نبع من داخل عقله ولم يكن مفروضا عليه من مستشاريه.

لقد تابعت باهتمام حملته الانتخابية ولاحظت بإعجاب كيف فاز فى سباق المتتاليات وتخطى العقبة تلو العقبة. عقبة لونه وعقبة أصله الأفريقى وعقبة اسم والده (حسين) تغلب على منافسيه الواحد تلو الآخر، وتوقع الكثيرون أن ينهار أمام هيلارى كلينتون وبريقها وذكائها الحاد ولكن هذا لم يحدث، بل اعترفت هيلارى بتفوقه وطالبت مؤيديها أن يعطوه أصواتهم.

من يدرس شخصية أوباما يعرف أنه إزاء رجل متوازن فى كل شىء حتى فى كينونته. يمكنك أن تصفه بأنه بين البينين. فهو ليس شابا يمكن الاستهانة بحداثة تجربته فى الحياة ولا شيخا يمكن السخرية من اقترابه من الفناء، ورغم اعتزازه بمسيحيته فهو ليس مسيحيا مائة فى المائة بل تجرى فى عروقه دماء مسلمة، كما وأنه ليس أمريكيا مائة فى المائة فلا يمكن إنكار جذوره الأفريقية، بينما عائلة أبيه المسلم ما زالت على قيد الحياة.

ولا شك أن العديد من الكتاب العرب كانوا يتربصون بالخطاب لاصطياد أية هفوات أو تلميحات يبنون عليها مقالاتهم، فطوال فترة حكم بوش الابن المشئومة كان الطريق لاكتساب الشعبية بين القراء والحظوة لدى رؤساء التحرير أن بهجوا الكاتب الرئيس الأمريكى ويرد على ما يتفوه به من ترهات. وكان معنا الحق كل الحق، فالرجل بذل جهدا خرافيا لحفر فجوة شديدة العمق والاتساع بين الشعب الأمريكى وكل شعوب الأرض باستثناء إسرائيل طبعا.

الرئيس أوباما لم يكن شريكا فى الإدارة السابقة ولا يمكن محاسبته على أخطائها فلندخر "آربجيهاتنا" لليوم الذى سيحنث فيه بوعوده أو يتخلى عن مبادئه.

عندما قال السلام عليكم تلقى وابلا من التصفيق والدعوات والهتاف بعبارة "نحن نحبك يا أوباما" لم يكن هناك شبهة نفاق ولا أى قدر من التسرع والعاطفية، فشعبية أوباما فى العالم كله لا تخفى على أحد، وأن نفترض أنه يؤمن ويصدق بما استشهد به من آيات القرآن الكريم وارد ومنطقى. نحن الشعب الذى لم يصدق أى فرد منه للحظة واحدة كذبة نابليون بونابرت المفضوحة بأنه دخل فى دين الإسلام. أصبحنا نفرق جيدا بين نفاق بوش الذى قالها مرة "من قتل نفسا بغير ذنب" و بين شاب بدأ دراسته فى مدارس أندونيسيا المسلمة، فالتعليم فى الصغر كالنقش على الحجر.

من الطبيعى أن نرد على الرئيس الأمريكى الحالى بعبارة "وعليكم السلام ورحمة الله و بركاته" وهى عبارة كان أجدادنا المسلمون يعتبرونها عهدا وميثاقا. خاصة إذا ما قال إنى أفتخر بأن أحمل إليكم النيّة الحسنةِ مِنَ الشعب الأمريكى والتحية من الجالية المسلمة فى بلادى.

لا شك أن المتابعين للخطاب فى كل أنحاء العالم راحوا يبحثون عن معنى ومغزى تلك العبارة ولا أستبعد أن تصبح تحية عالمية يتبادلها الناس من كل شعوب الأرض لتحل محل التحية الإسرائيلية المضللة "سلام".

إجراءات الأمن المشددة والمتاهة التى عانينا منها بعد الخروج من قاعة المؤتمرات، لم تغضبنى، وسرت على قدمى حوالى ساعة فى الشوارع المحيطة بجامعة القاهرة لكى أصل إلى شارع به سيارة أجرة بعد أن أمرت سائق سيارتى بالعودة إلى المكتب. معهم ألف حق، فهذا الرجل كنز ثمين يجب أن نحميه بأرواحنا، ليس لأنه سيأتى بما لم يأت به الأوائل، ولكن لأنه يؤمن بحق الناس جميعا فى حياة حرة كريمة، ويعنى ما يقول.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة