"من حقنا نحلم ولو كدا وكدا، ونشوف الدنيا حلوة مع أنها مش كدا", كلمات تغنى بها وجيه عزيز تعيدك للحق المشروع فى الحلم والحياة المرهون بالآخرين.
تطاردنى ذكرى العريس الأول وفرحتى بالزيارة، ومشاركتى الفرحة مع بنات عمى وصديقاتى من الجيران بدأً من مدخل الشارع الضيق ووصولاً للمقعد الذى سيجلس عليه العريس المنتظر.. الكل يدلى بدلوه فى رسم ملامح البيت وواجهته "بوشين بوية"، وشتلات الزرع الرخيص فى مدخل البيت القديم وبعض المفارش الحريرية، ومع الجميع شاركت السيدات المسنات بنصائح الكلام والحركة وردود الأفعال، فالعريس من بلد آخر يسمع عن عروسة ولم يقابلها بعد، يدرس كل الظروف المحيطة بها وينتظر اللحظة الحاسمة للقائها.
هذه التفاصيل جزء من الطبيعة المصرية والثقافة الراسخة لاستقبال أى ضيف مهما كان، فما بالك إن كان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فيا حظ طلاب جامعة القاهرة وجدرانها وحوائطها وسكان القلعة والمجاورين لمسجد السلطان حسن، فالكل شارك بالفرحة والرهبة والاعتزاز فى تزين القاهرة لترتدى أجمل ما لديها من ثياب، وتتعطر بعبق السنين الماضية، وراحت تحدد ملامحها المتأنقة، وحددت لنفسها سيناريو البراح لزيارة أوباما المنتظرة.
ويالا الحظ العثر لسكان المناطق الأخرى المرهونين بزيارة أى مسئول مهما كانت درجة مسئوليته.
سمرة وجوههم تتشابه وتمتزج لترسم لهم ملامح تكاد تكون خاصة بهم لكنهم يتشابهون مع أمثالهم فى كل أنحاء المحروسة.
إنهم أهالى الخصوص عز عليهم ألا يمر أوباما على مدينتهم، ليمسح بيديه كل آهاتهم ولو لساعات قليلة.
الحلم بسيط وتحقيقه أبسط لكن دائما مرهون بالصدفة وأصحاب الأيدى النظيفة .. لم تفرق معهم شتلات الزهور أو دهان الحوائط ربما كانوا يطمحون أكثر فى قليل من الحياة الآدمية، مستندين على ما يبثه الإعلام من مفردات تأخذهم للحق فى الحياة الذى تراعيه أمريكا .. مهما كانت الاختلافات حول صدق هذا.
إلا أنهم تمنوا للحظات أن يمر أوباما ولو من بعيد على مدينتهم .. التى ربما رصفت شوارعها ودكت المطبات واختفت أكوام الزبالة وأطفال الشوارع، وربما استكمل عمال الوحدة المحلية وهيئة الطرق والكبارى ردم باقى الرشاح الذى يعملون به منذ سنوات ولم ينتهِ بعد .. ربما اختفت الأوناش التى تعترض الشارع الوحيد الرئيسى فى الخصوص بحجة أنهم يعملون فى المشروع.. ربما تم تكرير مياه الشرب خوفا فى أن يتسرب خبر لأوباما عن نسبة تلوث المياه فيها ووفاة الأطفال والكبار بالفشل الكلوى من جراء شربها وحاول التأكد بنفسه .. ربما ردمت حفرات الصرف الصحى التى تعترض مدخل مجمع المدارس طمعاً فى زيارة من أوباما لمدرسة الخصوص التجريبية، ربما ساهمت وزارة النقل فى توفير خطوط أتوبيس لأكثر من مكان بعد توقف الخط الوحيد الخصوص ـ جامع عمرو، وترك الأهالى فى مهب ميكروباص باب الشعرية الذى يتحكم فيه السائقون وعمال الكارتة وحل أزمة الطريق التى تتفاقم يوماً بعد الآخر لأن سيادته سيمر من الشارع حتى وإن كان ليوم واحد.
ربما أغلقت أكشاك التحويل الكهربائى الرئيسية بدلاً من فتحها على مصرعيها لتلتهم أطفال المدارس والكبار والصغار .. ربما أنيرت الطرقات والشوارع حتى يرى المارة أمامهم، وتتفادى الفتيات الاغتصاب بعد حادثة أصغر مغتصبة وصاحبة أول شهادة ميلاد لطفلها من الاغتصاب.
ربما حدث الحلم وأصبح لأهالى الخصوص الحق فى الحياة فى مكان نظيف وآمن، ربما انتبه المسئولون، لأن هذه المنطقة يسكنها أكثر من أربعة ملايين شخص بجميع مستوياتهم.
عيون طفل كانت وراء كلماتى.. طفل بمنتهى البراءة قال كلمته وأكمل لعبه مع الصغار .. "هو ممكن يا أبلة الراجل دا أو غيره يزورنا هنا فى الخصوص".
ربما أصبح الحلم حقيقة بين ليلة وضحاها، فحتى الكوارث لا تحرك الماء الراكد، ولا بكاء الأطفال يستدر العطف .. لم تعد حتى الأحلام مشروعة فى بلد بات فيها كل شىء مرهون بكارثة طبيعيه أو زيارة لرجل مهم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة