أية مجموعة من العلاقات المتشابكة التى تتحرك بكل اتجاه من أجل تحديد معالم وطبيعة تعريف المواطنة عند المرء، ولا يمكن الحكم على مدى التزامه بأداء واجباته تجاه الشأن العام إلا من خلال التعريف الصحيح للنظام السياسى الذى يحكم البلاد وكذلك صواب النهج الذى يسير عليه ذلك النظام, أى أنها تخضع فى أغلب الأحيان لمجموعة أخرى من العوامل الاجتماعية والسياسية التى من شأنها هى الأخرى تحديد معالم التعريف, فالشخص الذى يخدم نظاما دكتاتوريا قمعيا وهو يعلم طبيعة النظام الذى يخدمه يجعل مصالحه الأنانية الضيقة هى التى تتحكم فى التعبير عنه وينتفى هنا مصطلح المواطنة على هذا النوع من الأشخاص رغم أن النظام الدكتاتورى وانطلاقا من مصالحه الضيقة هو الآخر يطلق على هذا النموذج بالمواطن الصالح.
ولا أشك فى أن الأغلبية تنطلق فى تعبيرها عن وطنيتها من خلال الأفكار والعقائد التى تحملها بمختلف اتجاهاتها لكن هذا المفهوم يبقى فاترا ودون فعالية ما لم يتم تحويل الجهود إلى وحدة متكاملة من أجل خلق نظام دستورى وقانونى هو الذى يحدد طبيعه العمل الذى يجعل من موضوع المواطنة مفهوما لدى الجميع وهذا بصراحة ما نفتقد له فى حاضرنا, والقصد بالوحدة المتكاملة هو توحيد الجهود حتى وإن كانت الآراء والتصورات مختلفة.
إن إيجاد تعريف دقيق للمواطنة ينطلق من وضع تعريف واضح ومحدد لقضايا اساسيه تمس حياة الإنسان وفى مقدمتها قدرته على تحديد الصح من الخطأ والخير من الشر فى الإطار العام للحياة التى يعيشها وتلعب الثقافة هنا الدور الأبرز فى التحكم فى تعريفها لدى المرء والثقافة هنا هى المجموعة المتكاملة من العلاقات الاجتماعية والسياسية التى تربى عليها المرء منذ نعومة أظافره, ومدى الخوض فى تفاصيل خلق مجتمع مدنى يسوده قانون يضع تعريفا واضحا لكل واجب وحق للمواطن بطريقة متحضرة هى التى تعمل على إحداث نتائج عمليه من شأنها الوصول بالمجتمع إلى حالة من التقدم فى مجال التعريف بالواجبات والحقوق وبالتالى أخذ المواطن إلى شاطئ يتفهم معه المعنى الحقيقى لمواطنته, أى أن مفهوم المواطنة الحقيقية يمثل وحدة متفاعلة بين الإنسان ومؤسسة الدولة بطريقة تجعل من العمل الحياتى يأخذ طريقه إلى الأمام إلى تخطى المراحل من خلال وضع تعريفا دقيقا لكل موضوع حياتى دون تشويه ينطلق أساسا من ثوابت المحافظة على القيم الأساسية للدولة وتطويرها مع الزمن بحيث تكون مواكبه لعملية التطور والفكر الإنسانيين.. ويتم إثراء هذا الموضوع ليس بحمل الأفكار السياسية والعقائدية بقدر ما يكون الانتقال لمرحله التطبيق العملى لكل القيم الإنسانية التى تعكس صورة مشرقة لمعنى المواطنة والوطن وتعطيهما قيمة أكبر فى الحياة.
فى العهد السوفيتى كان الكثير من المواطنين يعطون مثلا ساطعا فى الأخلاق الشيوعية فى العمل والتفكير والحرص والتطوع والتضحية بكل أوقاتهم من أجل العمل التطوعى لخدمة وطنهم وحققوا النتائج التى تقترب من المعجزة من عام 1928وحتى عام 1942 وكان المرء يدرك أن بمقدار إخلاصه فى أداء واجبه يحقق وطنيته بشكل صحيح حتى فى وقت الحرب التى تعرضت لها الدولة السوفيتيه على يد النازيين فإن مئات الآلاف تطوعت للدفاع عن الوطن السوفيتى انطلاقا من إحساسها العالى بالمسئولية وقدرتها على التمييز بين حالتى الصواب والخطأ فى مسألة تعرض وطنهم للأخطار.
وتعريف المواطنة يجب أن يقوم أولا على النضال من أجل تثبيت نظام دستورى يعطى روح القانون بعده الصحيح وفصل الدين عن الدولة حتى تتمكن كل مكونات المجتمع من الشعور بالانتماء الحقيقى للوطن لا أن يتم توزيع المناصب والثروات على أسس طائفية ودينية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة