قبل زيارة أوباما للقاهرة بيومين تسمرت تماماً أمام جهاز التليفزيون، أتابع كل فضائيات العالم المتاحة وانزرعت خلف مكتبى أمام شاشة الكمبيوتر متصلاً بالإنترنت، مراجعاً لكل الصحافة العالمية باللغتين العربية والإنجليزية فى محاولة مستميتة لفهم ما يحدث، وكنت أتساءل هل جاء أوباما فى إلى القاهرة "فى جسد بوش وثياب خروف"، كما قالت صحيفة الجارديان؟ أم أنه جاء "كأمل جديد لحل الصراع العربى الإسرائيلى"، كما قالت معظم الصحف العربية الموالية لأمريكا، حيث قالت الجارديان عن خطاب أوباما فى زيارته للقاهرة فى مقالة بعنوان "بوش فى ثياب خروف"، وقارنت بين أهداف حديث أوباما وأهداف أحاديث بوش السابقة، وتطرق المقال إلى قول أوباما إن الفلسطينيين عانوا على مدى 60 عاماً، وأن لهم الحق فى وطن، وقال أوباما عن الفلسطينيين، إنهم "عانوا فى سعيهم، لأن يكون لهم وطن؟"، وقالت الجارديان كلاماً عن آلام الشتات للفلسطينيين "لقد كانوا يملكون وطناً بالفعل.. هم عانوا من التطهير العرقى والإثنى.. لماذا من الصعب قول ذلك؟"، كما قالت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن "باراك حسين بوش"، فكتبت الصحيفة الأمريكية: "إحدى فوائد رئاسة أوباما أنها تشرّع أجندة الأمن والسياسة الخارجية فى عهد بوش.. بدا هذا الأمر واضحاً فى القاهرة، حيث قدم نسخاً أعيد ترتيبها بطريقة أكثر فنية عن أفكار بوش" فى مقابل ذلك، اعتبرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أنه عندما تحدث جورج بوش عقب هجمات 11سبتمبر شعرنا بأننا لا نعرف أمريكا بسبب لغة الانتقام.. وعندما استمعنا إلى الرئيس أوباما فى القاهرة، تعرفنا من جديد إلى أمريكا، وكتبت صحيفة واشنطن بوست، أن الرئيس الأمريكى "تحدث بلغة جديدة، وأظهر تفهماً لكل الأطراف فى الشرق الأوسط"، وإذا كان أوباما هو نفسه بوش فى ثياب خروف أو كان أمل أمريكا فى التغيير، فإنه جاء إلى مصر وواجه أطراف الصراع فى خطابه بتأكيده على "حل الدولتين"، وهو حل سوف تدخل إليه إسرائيل عاجلاً أو آجلا، لكن أوباما لم يقل بـ "حل الصراع"، وحتى عند قيام الدولة الفلسطينية بالشروط الإسرائيلية وتكون فى تماس كامل مع الدولة العبرية سوف يبقى الصراع "الإسرائيلى ـ العربى/ الفلسطينى" قائماً لأسباب دينية وعرقية تاريخية لا يمكن الخلاص منها لتجذرها العميق فى الديانتين الإسلامية واليهودية، كما يرى عضو الكنيست من الاتحاد القومى الشريك فى الائتلاف الحكومى "ميخائيل بن آرى" فى حديثه لشبكة CNN، الذى قال: "لقد عبرنا عهد فرعون وسنجتاز عهد أوباما" وهو مؤشر ودلالة على استمرار الصراع المتجذر فى أعماق الشخصية اليهودية وفى مقابلة للصحيفة الأمريكية، قال أوباما: "إن المسار الحالى فى المنطقة لا يصب فى مصلحة إسرائيل ولا الولايات المتحدة"، ما يعنى أن لأمريكا وإسرائيل مصلحة أكيدة فى تغيير هذا المسار، لكن المشكلة كل المشكلة تكمن فى اتجاه هذا التغيير، هل هو اتجاه حل الصراع حلاً عادلاً يقوم على مرجعية مدريد ومبدأ الأرض مقابل السلام والقرارات الدولية ذات الصلة، أم أنه مجرد اتجاه لتجميد الاستيطان وحل الدولتين، كما يقول أحد الكتاب السوريين، فواقع الحال يؤكد أن الضغط الأمريكى المتوقع سيكون فى هذا الاتجاه الأخير، وأن الإدارة الأميركية ستضغط على إسرائيل من أجل تجميد الاستيطان، والقبول بحل الدولتين، ولكنها ستطلب من العرب بالمقابل تقديم ما يلزم من تنازلات جديدة لإنجاح ضغطها فى تغيير الموقف الإسرائيلى المتعنت، الذى رفع نتانياهو سقفه إلى الحد الأعلى، وهكذا فإن تجميد الاستيطان والقبول بحل الدولتين مع أنه ليس هناك تصور أمريكى واضح للدولة الفلسطينية المقترحة سيصبح تنازلاً إسرائيلياً مؤلماً يحتاج تحققه إلى تدخل أمريكى فاعل، وعلى العرب أن يدفعوا مقابله أثماناً باهظة جديدة تضاف إلى الأثمان السابقة، منها إسقاط حق العودة والتطبيع الكامل مع إسرائيل والتخلى عن القدس لتدار دولياً ووفق هذا التصور سوف يتم إعفاء إسرائيل مجدداً من دفع استحقاقات السلام العادل، وسيصبح الطريق إلى تصفية القضية الفلسطينية سالكاً تماماً، فلماذا لا يجد العرب فى حاجة أمريكا الماسة إلى تحسين صورتها عندهم، وعند المسلمين عموماً، بالإضافة طبعاً لحاجتها إلى نفطهم ومالهم ودعمهم السياسى، فرصة لنفخ الحياة فى الحل العادل والشامل؟ ذلك أنه لا تجميد المستوطنات ولا حل الدولتين، فى غياب مقومات السلام وشروطه العربية الأخرى، يمكن أن ينهى الصراع ويحقق الأمن والاستقرار مشكلة العرب والمسلمين الذين توجه لهم أوباما بخطابه فى تشرذمهم مذهبياً واقتصادياً، بل فى ارتهان إرادة بعضهم لأمريكا نفسها وقصور رؤية أكثرية قياداتهم، فى وقت مصيرى تحتاج فيه القضية الفلسطينية إلى رفع سقف المطالب العربية عند الرئيس أوباما وليس إلى المزيد من التنازلات القاتلة حل الدولتين ليس هو الحل المنشود لكن السلام العادل والشامل هو الحل المنشود لهذا الصراع الدامى عبر التاريخ، فحتى لو قبل به الإسرائيليون من منطلق واقعى والعرب من منطلق الحاجة الملحة والأمريكان من منطلق المصالحة، فلن تقبل به إيران من منطلق إسلامى "مذهبى" تبرر به للعالم كغطاء رئيسى لفرض هيمنة إقليمية على منطقة الخليج والعراق من ناحية وتعظيماً لدورها الإقليمى ومن ثم العالمى للحصول على أقصى المغانم والثروات العربية، فالمشروع الإيرانى واضح فى رؤيته الهادفة إلى بسط نفوذه على الخليج العربى، وتحديداً منذ الثورة الإيرانية فى نهاية السبعينات، المشروع الفارسى دعمته أمريكياً إبان وجود الشاه، ليكون الحاجز الأول أمام الاتحاد السوفيتى آنذاك، وكان للشاه حينها مشروع توسعى نحو دول الخليج، وهو ما رفضته الدول الكبرى فى حينه، ومنعوه فلم يمتنع، إذ كانوا يخشون من سيطرته على نفط المنطقة، وما لبث الأمريكيون أن اتجهوا إلى إبعاد الشاه ودعم الجماعات الإسلامية، ووقتها لم يكونوا يفرقون بين الشيعة والسنة، ووجدت حكومة الرئيس كارتر، أن وجود دولة إسلامية فى آسيا إلى جانب أفغانستان سيصيب الاتحاد السوفيتى فى مقتل، وهو ما يتحقق – بحسب رأيهم - فى إيران، لكن كارتر فوجئ بطموحاتهم التى لا تنسجم معه، فإيران لديها رغبة فى إعادة المجد الفارسى، وطموحاتها أكبر من قدراتها، وهـــذا ما يسبب لها أزمة سياسية يصعب عليها أن تكون دولة عظمى بسبب قدراتها المحدودة، وفى إمكانها فقط أن تكون دولة فاعلة على مستوى المنطقة، شريطة أن تمد يدها إلى دول الجوار، لكنها حرصت على محاولة السيطرة على المنابر الدينية العربية، بتوجيهات الخمينى آنذاك. وكانت بريطانيا منحت إيران الكثير من المدن العربية على شواطئها، وتحديداً فى العام 1929، وهو ما سمح للإيرانيين بتغيير هوية الكثير من المدن العربية فى إيران، متناسين أن العلاقة بين الشيعة والسنّة علاقة طيبة جداً، ولم تشهد توتراً مثلما يحدث منذ إعلان الـــثورة الإيرانية، إذ نجحت هذه الثـــورة فى تأجيج مشاعر العداء بين الطائفتين على مستوى العالم الإسلامى، لذلك – ولأسباب أخرى – فإن حل الدولتين سوف يبقى هدفاً مرحلياً يساعد فى الوصول إلى حل السلام العادل والشامل وحتى يتحقق ذلك فسوف تبقى إيران تلعب دور النافخ فى الكير، فإيران كانت قد دخلت فى حرب مع العراق لثمانية أعوام، وخسرت فيها الكثير على رغم المال والجيوش والدعم من بعض الدول العربية التى لم تكن تحب صدام حسين، وعلى رغم دعمها الشعارات العقائدية، لكن الشعب العراقى نجح فى التصدى لأهداف إيران التوسعية، التى تناست أن ثورتها متخّلفة، ولا يمكنها أن تعيش فى العصر الحالى، ولا تملك رؤية حديثة، فى ظل ترديدها لشعارات دينية غير صحيحة، والمتأمل فى الوضع العراقى حالياً يؤكد أن التدخل الإيرانى أفسد أمنه، وأســــهم فى تأجيج الطائفية، لكن العراقيين تنبهوا إلى هذه المخططات، ويتصدون لها حالياً، كما أن ممارساتها هذه تتكرر فى اليمن والســودان ولبــنان ومصر أخيراً، وهم لن يحققوا أى نجاح فى المنطقة، وسيبقون مصدر أذى فقط، بوساطة أذرعهم فى المنطقة، والتى اعترف بها حسن نصر الله أخيرا ًالذى يعرف أن دوره سوف ينتهى بمجرد تخلى السوريين عنه إذا ما تحقق حل الدولتين ليبقى خنجراً فى يد إيران فقط إلى حين الوصول لحل السلام العادل والشامل، الذى يقضى على الصراع العربى الإسرائيلى وعلى حلم الإمبراطورية الفارسية وحتى يحين هذا الموعد يعطينا ويعطيكم ربنا طولة العمر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة