حب على مقاعد البدلاء ـ قصة قصيرة لفاروق الجمل

الأحد، 07 يونيو 2009 12:52 م
حب على مقاعد البدلاء ـ قصة قصيرة لفاروق الجمل الحب وحدة لايكفى لاستمرار الحياة فى سكينة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بالرغم من أنها أتت بعد موعدها بساعة تقريبا، إلا أن حالة من الهدوء غير المعتادة قد سيطرت على، وفيما يبدو قد انعكست هذه الحالة على تعاملى معها دون قصد منى، مما دفعها لملاحقتى بالعديد من الأسئلة والتى تبحث فيها عن تفسير لسر هذا الهدوء المفرط، الذى وصفته فيما بعد بالبرود.

والحقيقة أنى اكتشفت أنها كانت تتوقع أن أكون أكثر انفعالا من هذا، خاصة وأنى لم أرها منذ شهور، و لم أسمع صوتها منذ أسبوع تقريبا.. كانت تتوقع منى هذا لأنها اعتادت على أن تذهب، وتغيب، لتجدنى كما تركتنى عندما تعود.

نعم أنا أحبها، وحبى لها قد أبقانى إجباريا قيد مقاعد البدلاء فى حياتها لفترة طويلة، بل جعلنى لا أبالى ولا أنفعل لأى تصرف يصدر منها، حتى و إن كان هذا التصرف فيه شىء من الإهانة لكرامتى.

و لا أنكر أنى عاهدت نفسى منذ أن اتصلت بى أمس لتخبرنى بأنها بالقاهرة وأنها ترغب فى رؤيتى، قبل أن تعود إلى بلدتها مرة أخرى، أن ألتزم الهدوء والصمت، وأن أجعل هذا اللقاء يمر على خير، دون أن يصدر منى أى تصرف يغضبها، أو يثير أعصابها، لربما تشعر يوما أنى أحبها أكثر من روحى، ولكنها لم تترك الفرصة لهذا، لم تمكنى من الالتزام بعهدى الذى قطعته على نفسى، بأسئلتها الكثيرة، واتهامها لى مرارا بالبرود.

لم أتمالك أعصابى حينما قالت لى إن بعدها عنى قد جعلنى أنساها، قد أطفأ حرارة حبى لها.. هذه المعتوهة، تتهمنى أنا بأنى لم أعد أحبها، لم أعد أشتاق أليها كما كنت فى الماضى.. تتهمنى أنا الذى أضعت أياما وشهور وسنين فى انتظارها، أنا الذى كنت أتقبل بهدوء بعدها عنى، وبنفس راضية خبر ظهور آخر فى حياتها، أنا الذى لم أناقشها يوما عندما تعود لى فى أى شىء، فقط كنت أعيش حالة من السعادة أعلم أنها مؤقتة، فبالرغم من أن لدى يقينا شبه تام بأنها لن تكون لى يوماً، إلا أنى كنت أضحك على نفسى وأطالبها بالصبر.

تتهمنى الآن بالبرود، لأننى لم أشكُ لها يوما مرارة الإحساس الذى كنت أشعر به، حينما أتصل بها لأجد هاتفها مشغولا لفترة تتجاوز الساعة، وعندما تنتهى المكالمة، وأمنى نفسى بسماع صوتها، لا تجيب.. تتهمنى بالبرود، لأنى لم أقل لها ولو لمرة واحدة، كم يوماً نمت مكسور الخاطر، محاولاً السيطرة على دموعى وحزنى، ومرارة الإحساس بأن وجودى فى حياتها مثل عدمه، وفراقى لا يفرق معها كثيراً، لأن هناك من يملأون حياتها وأذانها بعبارات الحب الكاذبة.. لست إلا إنسانا يجلس على مقاعد البدلاء فى حياتها، تدفع به إلى أرض الملعب فى الوقت الذى يحلو لها، وتعيده مرة أخرى إليها عندما تشعر أن دوره انتهى عند هذا الحد.

نعم حاولت أن أبقى هادئا، بل و باردا أيضا، كى لا تتهمنى بأنى أفرض مشاعرى عليها.. حاولت أن أكون هكذا كى أقمع مشاعرى التى لا أعرف هل تريدها أم لا، لكنها رفضت هذا الهدوء، وأثارت أعصابى للدرجة التى جعلت صوتى يسمعه كل من فى المكان، حتى التفتوا نحونا، مما أغضبها كثيرا.. يبدو أن القدر يتآمر على هذه العلاقة.

وكلما حاولت أن أعود لهدوئى مرة أخرى، كانت تثير أعصابى بعبارات من نوعية "أهدى شوية مش كده.. الناس بتتفرج علينا"، مع الأسف حبيبتى لا تعرف أنى تجاوزت هذه المرحلة منذ فترة، فكثيرا ما شاهد الناس انفعالى، كثيرا ما شاهدوا دموعى التى لم أملك السيطرة عليها، فى أوقات الانكسار التى لم أعرفها، إلا عندما أحببتها.

حاولت بالفعل أن أهدأ، كى أتمكن من الحديث عن كل ما بداخلى ولو لمرة واحدة، بالفعل كنت أحتاج إلى أن أسألها، لماذا تفعل بى هذا؟، لماذا تقسو هكذا على إنسان يحبها.. إنسان ذنبه الوحيد أنه أختارها من دون كل نساء الأرض ليعيش لها، كنت أريد أن أقول لها أنى كثيرا ما حاولت أن أبتعد عنها، لأنى كرهت البقاء قيد دكة البدلاء، كرهت أن أبقى هكذا كالقشة وسط الإعصار، كرهت أن أترك حياتى للقدر، ولرغبتها، لكنى فشلت، لأنى أحبها ومجرد بقائى إلى جوارها بأية صورة و تحت أى مسمى يمنحنى الأمل فى الحياة.

كنت أريد أن أفسر لها سبب عدم لومى لها يوما، لأنها ليس لها أى ذنب، فأنا من أحببتها، وأن من قبلت من البداية أن أبقى هكذا، منتظرا ما تمنحه لى من نفحات حب تزكى بها عن عواطفها، نعم كنت أريد أن ابقى هادئا لكنها لم تترك لى الفرصة لهذا، فبعد ما يقرب من نصف ساعة من الاستفزاز، انهمرت دموعى وعَلى صوتى، للدرجة التى جعلتنى أنفعل عليها للمرة الأولى.. نعم كانت هذه هى أول مرة أوجه فيها اللوم لها.. المرة الأولى التى أقول لها فيها إنها بلا أحساس، بلا قلب، لا تفكر إلا فى نفسها و سعادتها فقط، إنها لم تفكر يوماً أن تمنحنى الفرصة كاملة لأثبت فيها أنى أجدر إنسان بها، فقط كانت تكتفى بأشباه فرص.
قد أكون قلت هذا من وراء قلبى، كما يقولون فى الأمثال، لكنى قلته، وكنت أدعو على نفسى أن يقطع لسانى الذى تهور و ووجه لها العتاب، وقال لها مثل هذه الكلمات القاسية.

نعم، كرهت نفسى لأنى انفعلت عليها، و كدت أنفعل على المحيطين بنا فى "الكافيه"، لأنهم تابعوا الشجار الذى حدث بيننا، دون أى احترام منهم لخصوصيتنا، و لا أنكر أن نظراتهم لى على أنى مجنون قد زادت من حدة غضبى.

شىء واحد فقط كتب نهاية هذا الموقف السخيف الذى لم أتعرض له يوما فى حياتى.. شىء واحد فسر لى سر نظراتهم التى تحمل من الشفقة أكثر مما تحمله من التعجب، هذا الشىء هو الحوار الذى دار مع الجرسون، الذى أعتبره صديقا، خاصة وأنى آتى إلى هذا المكان كثيرا بمفردى، بعد أول لقاء جمعنى بها فيه.

والحقيقة أنى كنت أتمنى أن تنشق الأرض لتبتلعينى حينما، أتى لى الجرسون صديقى، وهمس فى أذنى قائلا "يوسف إهدى شويه.. مش كده الناس كلها بتتفرج عليك".
و لأنه صديقى، وليس له أى ذنب فى المشكلة التى بينى وبينها الآن، همست فى أذنه أنا الآخر قائلا "حاضر يا معلم.. أنا ههدى، وكمان هاخدها ونقوم من هنا لأن منظرنا بقى وحش قوى.. صح؟".

بعد كلماتى صمت الجارسون قليلا، ونظر لى نظرة لم أستطع تفسير معناها، مما جعلنى أشعر أنه يريد أن يقول لى شيئا لكنه محرج، وعندما سألته قال لى "يوسف أنت عارف أنا بحبك قد إيه أرجوك ارحم نفسك، الدنيا مش هتقف على حد"، و عندما حاولت أن أقاطعه، منعنى من الكلام قائلا "يوسف أنت مفيش حد معاك.. فوق بقى أنت قاعد بتكلم نفسك من ساعة، حبيبتك مش هنا، أرجوك كفاية بقى".

تصدمنى كلماته، أتلفت بعينى إلى حبيبتى التى تجلس أمامى، فلا أجدها، أبتسم للكرسى الشاغر أمامى، وأترك الحساب لأنصرف مودعاً إياها حتى ولو لم تك موجودة.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة