"واعظ، مؤرخ، اقتصادى، مدرس، ناقد، محارب، إمام، وإمبراطور. فى بعض الأحيان نسينا أن باراك أوباما هو رئيس الولايات المتحدة". هكذا بدأ الكاتب البريطانى الشهير روبرت فيسك تعليقه على خطاب الرئيس الأمريكى بارك أوباما للعالم الإسلامى أمس، والذى ألقاه من جامعة القاهرة.
وتساءل فيسك فى مقاله اليوم، الجمعة، بصحيفة الإندبندنت: هل ستعيد محاضرة أوباما للجمهور الذى تم اختياره بعناية فى جامعة القاهرة "تخيل العالم"، وتضمد جراح استمرت قروناً بين المسلمين والمسيحيين؟ هل ستحل مأساة الصراع العربى الإسرائيلى بعد مرور أكثر من ستين عاماً عليها؟ إذا كان بإمكان الكلمات أن تحقق ما سبق، فربما يحدث ذلك.
كان الخطاب الذى سمعناه من أوباما أمس ذكياً كما كان لطيفاً أكثر مما تمنى أى مستمع إليه. وكلنا كنا مستمعيه. حيث أثنى أوباما على الإسلام، وأحبه وأبدى إعجابه به. وأحب أوباما المسيحية وكذلك أبدى إعجابه بأمريكا. وسخر الكاتب من ذكر أوباما لبعض الحقائق فى خطابه متسائلاً: هل كنا نعلم أن هناك 7 ملايين مسلم فى أمريكا، وأن هناك مساجد فى كل ولاية، وأن المغرب كانت أول دولة تعترف بالولايات المتحدة الأمريكية، وأن واجبنا هو أن نحارب الصورة النمطية للمسلمين كما يجب على المسلمين أن يحاربوا الصورة النمطية لأمريكا؟!
ويمضى فيسك قائلاً: غير أن كثيرا من الحقائق كانت موجودة، على الرغم من تجنب محاولة إيذاء مشاعر الإسرائيليين. فإنكار حقائق المحرقة اليهودية "لا أساس له وأمربغيض ينم عن جهل" كما قال أوباما فى تصريحات تشير إلى إيران. وأن إسرائيل استحقت الأمن، وأنه يجب على الفلسطينيين "أن يتخلوا عن العنف...".
واستعرض أبرز ما ورد فى الخطاب: أكد أوباما أن الولايات المتحدة طالبت بحل الدولتين للصراع الفلسطينى الإسرائيلى. وقال للإسرائيليين إنه يجب أن يكون هناك نهاية كاملة للاستعمار فى الضفة الغربية "الولايات المتحدة لا تقبل شرعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية".
الفلسطينيون عانوا من عدم وجود وطن لهم وهو موقف "لا يطاق"، والولايات المتحدة لن تدير ظهرها لتطلعات الفلسطينيين المشروعة بوجود وطن لهم. ويجب أن تقوم إسرائيل باتخاذ "خطوات ملموسة" لمنح الفلسطينيين تقدماً فى حياتهم اليومية كجزء من الطريق إلى السلام. إسرائيل فى حاجة إلى الاعتراف بالمعاناة الفلسطينية وبحق الفلسطينيين فى الوجود. ويعلق فيسك ساخراً: يا للهول، لم يتم انتقاد إسرائيل من قبل الولايات المتحدة بهذا الشكل منذ جيل كامل. يبدو أنه نهاية الحلم الصهيونى..
رئيس الولايات المتحدة اعترف، وهذا أمر مرعب، بفشل بلاده ورد فعلها المبالغ على أحداث سبتمبر، وبنائها معتقل جوانتانامو الذى ذكرنا أوباما جميعا أنه أصدر أوامر بإغلاقه.. ليس سيئا أوباما.
نصل إلى إيران.. دولة واحدة تحاول الحصول على السلاح النووى ستؤدى إلى مسار خطير بالنسبة لنا جميعا، خاصة فى الشرق الأوسط. يجب أن نمنع سباق التسلح النووى. لكن إيران كدولة يجل أن تعامل بكرامة. الأمر الأكثر من عادى، أن أوباما ذكرنا أن الولايات المتحدة تآمرت لإسقاط حكومة مصدق المنتخبة ديمقراطياً فى إيران فى الخمسينيات. "كان من الصعب التغلب على عقود من فقدان الثقة".
كان هناك المزيد.. الديمقراطية، وحقوق المرأة، والاقتصاد، وبعض الاقتباسات الجيدة من القرآن.. كما دعا أوباما كل الحكومات إلى احترام الشعوب والأقليات. ذكر الأقباط المسيحيين فى مصر، والموارنة المسيحيين فى لبنان أيضا.
وعندما قال أوباما إن بعض الحكومات حين تتولى السلطة تقمع بلا رحمة حريات الآخرين. كان هناك قليل من التصفيق من الجمهور المفترض التزامه بالطاعة. ولا عجب أن الحكومة المصرية أرادت أن تختار أى أجزاء من الخطاب ستكون مناسبة للشعب المصرى.. حيث إن هذا الشعب كان تعيساً للغاية وبشكل واضح فى ظل نظام الدولة البوليسية للرئيس مبارك. ولم يذكر أوباما اسم مبارك مرة واحدة.
أكثر من مرة، ظل المرء يقول لنفسه: أوباما لم يذكر العراق، إلا أنه فعل "حرب كانت من اختيارنا.. فرقنا المقاتلة ستترك البلاد". وكذلك أفغانستان "لا نريد أن تبقى قواتنا فى أفغانستان.. سنعيد كل واحد من جنودنا بسرور إلى الوطن". وعندما بدأ فى الحديث عن تحالف الـ46 دولة فى أفغانستان، وهى إحصائية مراوغة جداً، بدا أوباما فى هذه اللحظة أشبه بسابقه، جورج بوش. وهنا واجهنا بالتأكيد مشكلة حتمية. فكما قال المفكر الفلسطينى مراون بشارة أمس، إنه من السهل أن يغرك الأداء، لكن إذا بحث المرء عن النص، سيجد أن هناك أشياء مفقودة.
فبعد حديثه عن إيران لم يذكر على الإطلاق الرؤوس النووية الإسرائيلية والتى تقدر بـ 264 رأساً. عاتب أوباما الفلسطينيين على العنف "على إطلاق صواريخ على الأطفال النائمين أو على النساء العجائز فى الحافلات"، لكنه لم يذكر عنف إسرائيل فى غزة إلا بقوله "استمرار الأزمة الإنسانية فى قطاع غزة". كما أنه لم يورد أى ذكر لتفجير إسرائيل للمدنيين فى لبنان فى غزوها المتكرر لهذا البلد ( 17.500 لقوا حتفهم فى غزو 1982 وحده).
أوباما طالب المسلمين بألا يعيشوا فى الماضى، لكنه استثنى الإسرائيليين من هذا المطلب.
بالنسبة لرجل أرسل آلاف من القوات الأمريكية إلى أفغانستان، وهى كارثة حقيقية فى نظر العرب والغربيين، كان هناك شىء وقح فى كل هذا. عندما تحدث عن دين الغربيين للإسلام. "نور المعرفة فى الأندلس"، الجبر والبوصلة المغناطيسية والتسامح الدينى. كان أشبه بقط يجرى بلطف قبل زيارة العيادة البيطرية، وبالطبع حاضر المسلمين عن مخاطر التطرف وعلى "دوائر الشك والشقاق" التى تحولت لتصبح "العدالة والتقدم، وكرامة كل البشرية".
ويلاحظ روبرت فيسك أن الخطاب الذى اقترب من 6 آلاف كلمة لم يذكر فيه كلمة "الإرهاب". فكلمة "الإرهاب" أو "الإرهابيين" أصبحت دائمة فى تصريحات كل حكومة إسرائيلية وأصبحت جزءاً من قواعد اللغة البذيئة لعهد بوش.
فى النهاية، يقول فيسك: لا يسع المرء إلا أن يتذكر كلمات رئيس الوزراء البريطانى الأسبق وينستون تشرشل : "الكلمات سهلة وكثيرة، لكن الأعمال العظيمة صعبة ونادرة".
روبرت فيسك يتساءل: هل ينهى خطاب أوباما فتنة المسلمين والمسيحيين؟
الجمعة، 05 يونيو 2009 04:58 م