«أعمل على هذه العربة لأوفر فرصة عمل لغيرى»، هذه هى العبارة التى يقرؤها كل من يمر بجوار عربة بسبوسة الحاج محمد حسنى بأحد شوارع حلوان الجانبية.
عم محمد ترك الميرى بإرادته الحرة، ولم يسع للتمرغ فى ترابه، بعد تخرجه من قسم المحاصيل فى كلية الزراعة جامعة الأزهر عام 1981 بتقدير جيد مرتفع، بل بدأ فى تنفيذ حلمه فى العمل الحر كبائع للبسبوسة، وما زال حتى الآن يلعب لعبة القط والفأر مع شرطة المرافق لأن فاترينة الحلويات الخاصة به غير مرخصة.
كثرة الغرامات التى كان يدفعها واحدة تلو الأخرى، هى التى دفعته إلى تعليق يافطة على فاترينة البسبوسة مكتوب عليها: «أعمل على هذه العربة لأوفر فرصة عمل لغيرى»، وكان تأثير اليافطة كالسحر، فبعد أن قرأها الضابط المسئول صار صديقا للحاج محمد وتركه يرعى لقمة عيشه دون منغصات.
تعود قصة الحاج محمد مع مشروعه فى بيع البسبوسة، منذ أن تخرج، وقرر ألا يقف فى طابور القوى العاملة، فوجه فكره إلى مشروع يستصلح فيه قطعة أرض كما وعدته الحكومة هو وزملاءه من خريجى كليات الزراعة، ولكن عندما حان وقت تخرجه فوجئ بأن الأرض تم توزيعها على الخريجين القدامى الذين سبقوه بدفعات وبلغ عمرهم ثلاثين عاما، أى لابد من الانتظار 8 سنوات للخريج حتى يشق طريقه فى الحياة.
وأصبح عليه أن ينتظر دوره فى طابور البطالة 8 سنوات ودون أن يعمل بالقطاع العام كشرط للحصول على الأرض وكان من الصعب أن يستسلم محمد لذلك وفكر فى مشروع آخر يبدأ به حياته، المهم أن يمتهن عملا حرا وبدأت الرحلة مع فاترينة الحلويات الشرقية، اخترق الصنعة وجاهد فيها رغم عدم درايته بأصولها ولذا فقد واجهته الكثير من المصاعب وبين هبوط وصعود بدأ يتشرب مهنة الحلوانى وأصبح له زبائنه الذين ينتظرون «بسبوسة الحاج محمد».
وبعد عدة أعوام جاءته الوظيفة الحكومية مرة أخرى تسعى وكانت عبارة عن فرصة للتعيين فى إحدى المكتبات العامة ولكنه رفض هذه المرة معلقا «فيه غيرى محتاج للوظيفة أكثر منى، وإذا كنا عايزين نبنى مصر بجد لازم نتخلص من الأنانية»، وفى ظل هذا المشوار لم يسلم من مضايقات شرطة المرافق التى تعقبته كثيرا لأن فاترينة الحلويات غير مرخصة، وعندما ذهب للحصول على الترخيص رفضت الادارة الهندسية إعطاءه إياه لأنه ليس ممن تنطبق عليهم الشروط، وهى أن يكون أحد أفراد أسر الشهداء بالدرجة الأولى أو أن يكون من الباحثين عن عمل بعد قضاء فترة عقوبة بالسجن، أو من الحالات التى ترعاها وزارة الشئون الاجتماعية. مشوار الحاج محمد فى الحياة به الكثير من الغرابة، فابنه الأكبر «على» زاد وزنه بشكل مفاجئ وغريب، وغير متناسب مع عمره مقارنة بالأوزان الطبيعية لأقرانه بالمدرسة، مما جعله محلا للسخرية والتهكم، الذى أصيب على إثره بالاكتئاب الذى نتج عنه عدم الرغبة فى استكمال تعليمه، وبالفعل ترك الدراسة وهو بالصف الصف الثالث الإعدادى.
مرور 5 سنوات على خروج «على» من التعليم قضاها تائهاً متخبطاً ما بين العمل بائعاً فى محل، أو سائقاً على سيارة أجرة، لا تكفى لإقناعه بإمكانية العمل مع أبيه الحاج محمد الذى يتمنى أن يرث ابنه مهنته.
أما «فاطمة» ابنته فقد خرجت من المدرسة هى الأخرى منذ ثلاث سنوات دون أن تكمل تعليمها، وكان السبب هذه المرة تعرضها للمضايقات من زميلاتها فى المدرسة اللواتى تعودن على التلفظ بكلمات خارجة بسبب وبدون سبب، هذا بالإضافة إلى المضايقات التى لاقتها من سائقى الميكروباص أثناء ذهابها إلى مدرستها.
الحاج محمد حسنى الذى تربى لأب موظف بسيط لا يملك غير راتبه، لم تتوقف الحياة أمامه لتسرب أبنائه من التعليم واحدا تلو الآخر ولأسباب لا تتعلق بصعوبات التعلم، بقدر ما تتعلق بأسباب نفسية وأخرى أخلاقية، لذا هيأ لابنته مشروعاً ليحببها فى العمل الحر ومكسبه، إلا أن صغر سنها وعدم إدراكها لأهمية العمل كما يقول وقف حائلا دون إتمام المشروع.
وهكذا امتنع أولاد الحاج محمد عن مواصلة مشوار أبيهم وقناعاته، إلا أنه لا زال مؤمناً بأن العمل الحر نعمة فى حد ذاته وأن إدراك النعمة نعمة، ويتمنى أن يعى أولاده ضرورة أن يكونوا عناصر منتجة مستغنية عن أى حد، حتى الحكومة.
يبيع البسبوسة منذ 20 عاماً ومازال يلعب لعبة القط والفأر مع المرافق
عم محمد حسنى كان فى الأصل خريج زراعة.. قرر يبنى مصر فاشتغل حلوانى
الخميس، 04 يونيو 2009 09:52 م