إلى هنا دائما تتجه أعين الأمن.. وأيضا أعين تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات المسلحة.. مدينة البعوث الإسلامية التى أسسها الرئيس عبدالناصر عام 1959 لتكون قبلة لطلبة العلوم الإسلامية من دول العالم.. المدينة التى يسكنها أربعة آلاف طالب أتوا إلى قاهرة المعز من 104 دول.. ومنذ سنوات باتت المدينة مخزونا استراتيجيا يسهل على التنظيمات المتطرفة العمل بها وتجنيد عناصر لها.. تقارير أمنية عديدة حذرت من تطرف طلاب البعوث والبعثات.. وبعد كل حادث إرهابى شهدته مصر فى السنوات الأخيرة كانت أعين الأمن تذهب إلى المدينة التى تنام بها ربما- خلايا متطرفة.. أعمال البحث والتحرى التى تتواصل فى مباحث أمن الدولة للكشف عن منفذى تفجيرات الزيتون والهاربين من حادث الحسين.. قادات ضباط أمن الدولة لطلاب بعينهم من سكان مدينة البعوث.. وعلى طريقة ومواعيد زوار الفجر تحركت سيارات أجهزة الأمن.. لدخول مدينة البعوث الإسلامية الأربعاء الماضى.. 40 طالبا أجنبيا كانوا هدفا محددا للحملة.. المطلوبون تتراوح أعمارهم بين 21 و49 سنة، وبينهم 3 نساء، ومعظمهم يحملون الجنسية الروسية، بعد أن دارت حولهم شكوك تثبت تورط بعضهم فى تفجيرات الحسين.
السفارة الروسية بالقاهرة تدخلت بناء على تكليف من وزارة الخارجية الروسية، وجاء الرد على المذكرة الرسمية التى أرسلها السفير الروسى بالقاهرة ميخائيل بجدانوف، إلى وزير الخارجية أحمد أبوالغيط »سنخبركم بنتائج التحقيق معهم بعد انتهائها».
اعتقال هؤلاء الطلاب كان متوقعا منذ ما يقرب من أسبوع، فقد أشار إليهم بشكل غير مباشر- بيان صادر عن وزارة الداخلية بعد القبض على سبعة متورطين فى تفجيرات الحسين وبحوزتهم متفجرات، وجاء فى البيان أن هؤلاء تمكنوا من «تجنيد عناصر أجنبية بعضهم حضر للبلاد تحت ساتر الدراسة، وتم إعدادهم لتنفيذ العمليات العدائية».
«اليوم السابع» ذهبت إلى مدينة الخلايا النائمة.. حسب تسمية خبير أمنى.. الحذر يسيطر على الطلاب القادمين من الدول التابعة للاتحاد السوفيتى سابقا بعد «تحذيرات شديدة اللهجة صدرت من إدارة المدينة» والكلام على لسان أحد الطلاب من دولة أذربيجان، رفض ذكر اسمه، حيث قال إنه قد تم توجيه تحذيرات لجميع الطلاب من داغستان وأذربيجان وتقول «أنتم هنا للدراسة فقط، لا تتدخلوا فى أمور لا تعنيكم أو تفتحوا نقاشات فى أمور سياسية، وإذا فعلتم ذلك فهذا يعنى أنكم تريدون التعرض لنفس مصير زملائكم، وننصح من له رغبة فى القيام بأمور خارج الدراسة أن يعود لبلاده». وقال إن الطلاب الأذربيجانيين القادمين من المدن الجنوبية القريبة من الحدود الإيرانية هم الأكثر تعرضا للمضايقات لأن كثيرا منهم أفكارهم قريبة من المذهب الشيعى.
وأكد طلاب آخرون أن هذه ليست المرة الأولى التى يتعرض فيها طلاب للاعتقال أو يتم استدعاؤهم للتحقيق، وأشار إلى أن الاعتقالات تكررت كثيرا إلا أن أكبرها كان فى بداية شهر مايو الماضى، وفى نهاية شهر فبراير الماضى بعد تفجيرات الحسين، وقبلها فى يناير خلال الحرب على غزة، وأخرى فجائية فى شهر نوفمبر من العام الماضى.
غمبو حسن، قادم من نيجيريا للدراسة فى الأزهر ومقيم بمدينة البعوث منذ عام، وبحكم الفترة التى قضاها فى الدراسة بالأزهر والإقامة بمدينة البعوث، قال: «المبادئ والتعاليم الأزهرية معتدلة، لكن على مدار التاريخ الإسلامى كانت الأفكار المتطرفة دائما لها مكان بين المسلمين، مثل المعتزلة.. والأمر نفسه يتكرر بين طلاب الأزهر، فهناك العديد من الطلاب وإن كانوا فئة محدودة أفكارهم متطرفة«. ورغم أنه كما قال ضد الأفكار المتطرفة، لكنه يرى أنها هامة للغاية ولها دور فى «حماية الإسلام من أعدائه»، بإثارتهم الذعر فى نفوس الدول الكبيرة التى لولا المتطرفون لابتلعوا المسلمين وقضوا عليهم». غمبو لم يوجه انتقادات لمدينة البعوث، ويرى أنها توفر كل ما يحتاجه الطلاب، لكن هناك مشكلة وحيدة تتمثل فى «حصول كل طالب على بدل مالى شهرى 87 جنيها فقط وهو لا يكفى أى شىء».
الجنيهات القليلة التى تحدث عنها الطالب النيجيرى، دفعت طلاب الدول الفقيرة، تحت ضغط الظروف الصعبة، للبحث عن فرصة للتعاون مع الجهات الأمنية فى مصر، كما يقول أحد الطلاب الذى ذكر أنه »يوجد بيننا بعض من الطلاب القدامى، يرصدون تحركات زملائهم وما يدور بينهم من نقاشات، ويبلغون بها إدارة المدينة، والجهات الأمنية»، ولأن هؤلاء يحصلون على امتيازات كثيرة مثل «الحصول على غرف أوسع، وبدلات مادية إضافية أضعاف ما يحصل عليه الطالب العادى»، فقد صار هناك تنافس بين الطلاب خاصة القادمين من الدول الأفريقية- على من سيقوم بالحصول على هذه الفرصة.
الطلاب المبعوثون - الذين يصل عددهم إلى 4 آلاف طالب ليست طبيعتهم الهدوء والمشى «جنب الحيط» كما يوحى منظرهم وطبيعة دراستهم، فمنذ بضعة أشهر، وبالتحديد فى نوفمبر الماضى، شهدت مدينة البعوث أضخم عمليات شغب تاريخها ، حيث قام الطلاب الذين ينتمون لـ104 دول، بتحطيم مكتب عبدالمنعم فودة، المشرف على المدينة وأبوابها ونوافذها وتجمهروا خارجها، وقطعوا الشارع الرئيسى أمامها. خلال مظاهرة ضخمة قاموا بها احتجاجا على تعديل لائحة تنظيم فترات المنح الدراسية، التى تنص على إنهاء منحة من يستنفد مرات رسوبه، وعدم السماح له بالسنة الدراسية الاستثنائية وطرده من المدينة، وعدم حصوله على المكافأة الشهرية. ولم يهدأ الطلاب إلا بعض أن حضر شيخ الأزهر بنفسه إلى مقر المدينة واجتمع بهم، ونفذ لهم مطالبهم.
«لا أعرف شيئا عن حملة الاعتقالات».. قالها المسئول المباشر عن جميع طلاب الأزهر من الأجانب، وهو الدكتور عزالدين الصاوى، وكيل شئون الطلاب بمدينة البعوث، الذى أكد أنه لا يعرف إذا كان هناك طلاب تعرضوا للاعتقال أم لا. وكل ما ذكره أن المدينة لها أهمية كبرى وتوفر فرصة التعليم لما يزيد على 4 آلاف طالب، وهو ما يكلف مصر سنويا 30 مليون جنيه للإنفاق على الطلاب الوافدين من الخارج.
«فبركة أمنية» كما يرى منتصر الزيات محامى الجماعات الإسلامية، الذى قال إنه فى عام 2006 أعلنت الأجهزة الأمنية عن القبض على تنظيم له علاقة بالقاعدة مكون من 9 فرنسيين وبلجيكى وجميعهم طلاب بمدينة البعوث الإسلامية، وبعد بضعة أيام تم الإفراج عنهم، وتم إغلاق القضية، ولم يعرف أحد ملابسات القبض عليهم والإفراج عنهم، وهو ما يتكرر فى هذه الواقعة التى «أرى أنها من تلفيق الأجهزة الأمنية، والهدف من وراء ذلك شغل الرأى العام». لكن اللواء فؤاد علام، وكيل جهاز مباحث أمن الدولة سابقا، رفض ما قاله الزيات وقال «جهاز أمن الدولة وطنى للغاية لا يمكن أن يقوم بتلفيق التهم للأبرياء، ويحترم الرأى العام المصرى ولا يقوم بخداعه، فهو يعمل بشفافية تامة. لكن طبيعة عمله الحساسة، تجعله يختار الوقت الذى يعلن فيه أى أخبار أو معلومات».
ولا يستبعد علام تورط هؤلاء فى أمر خطير، وبرر ذلك بأن ضمن المعتقلين نساء، وأضاف: «اعتقال أمن الدولة لنساء دليل على أن هناك أمرا خطيرا، وأن لديه معلومات أكيدة تثبت تورط هؤلاء فى شىء كبير، لأن الجهاز يراعى العادات والتقاليد المصرية فى طريقة التعامل مع النساء ولا يقوم باعتقالهن بناء على مجرد الاشتباه، إلا إذا ثبت تورطهن بالفعل».
لمعلوماتك..
6 آلاف منحة دراسية، تقدمها جامعة الأزهر لطلاب العالم
«الداخلية» تراها خلايا نائمة للتنظيمات الإرهابية.. والأزهر يعتبرها مصدرا لنشر الإسلام
صراع القاعدة والأمن فى مدينة البعوث الإسلامية
الخميس، 04 يونيو 2009 09:59 م
مجموعة من الطلبة الأجانب والأفارقة أمام مدينة البعوث
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة